أقول : وهنا تبدّى الصبح لذي عينين ، وصكّ الحجر العصفورين كما يقول المثل السائر.
فابن عباس اعتزل وفارق ، وأخذ من بيت مال البصرة ، وبرّر أخذه ، وأصرّ مستكبراً بقوله : « ولو كان أخذي المال باطلاً كان أهون من أن أشرك في دم مؤمن فاكفف عن القوم » ، والإمام علم بذلك من قبل قول ابن عباس في أهل النهروان ولم يؤاخذه أو يعاتبه ، وسكت على خيانته ، ليكون شريكاً له في جنايته ، فكلاهما أصابه حظ من ذرو هذا القول في المحاورة.
أليس كذلك؟ وعرفنا منذ الآن أنّ عنصراً رابعاً دسّ أنفه في مسألة مال البصرة ولم أكن قد وقفت عليه من قبل ، فتعاونت تلك العناصر على غير مودّة بينها على تشويه صفحة ابن عباس فهو ضحية : أموية حانقة ، وعباسية بغيضة ، وشيعة موتورة ، وأخيراً خوارج ثائرة.
١١ ـ ولنعد إلى عدم انتظام سياق الكلام في المقام ، فقد قال المؤلف : « وكتب إليه عليّ يأنّبه (؟) » ، وهذا يعني البُعد المكاني ليصح التعبير بقوله : وكتب إليه .. ولا أقل عن مجلسه إن لم يكن عن بلده كما هو المتعارف.
ثمّ قال المؤلف : « فقال له : قد عرفت وجه أخذي المال » ـ وهذا يعني الحضور ليصح التعبير بقوله : فقال له ... فكيف التوافق والاتساق بين (كتب) وبين (فقال (؟ » أليس الجمع بين الغائب والحاضر في آن واحد يعني التنافي كما في المثل المعروف (أكوس عريض اللحية).
١٢ ـ وأخيراً ختم المؤلف تلك المحاورة بقول ابن عباس : « فاكفف عن القوم ».