شك في ذلك فليقرأ تاريخ ولايتهم فهل يجد فيهم من كان مشابهاً لابن عباس ، ولولا الاطناب لعرضت نماذج من سير أولئك للمقارنة.
ومع ما كان عليه ابن عباس من فهم وعلم ، إذا استعصى عليه أمر كتب إلى الإمام فيه فيكتب الإمام إليه بالجواب كما في مسألة ميراث الجد مع ستة أخوة ، فكتب إليه : « إجعله كأحدهم وامح كتابي » كما في المصنف (١) ، ويبدو لي وقوع تصحيف في آخره ، وأنّ الصواب كما في كتاب ذكر أخبار اصبهان ، فقد ذكر أبو نعيم الاصبهاني في ترجمة محمّد بن الحارث الصيداوي الأسدي حديثاً رواه عن قيس بن الربيع عن سليمان وفراس المكتب : « كتب ابن عباس إلى عليّ في سبعة أخوة وجدة فكتب إليه أقسم المال بينهم ، وانسخ كتابي ولا تجلّده » (٢) ، وهذا النصّ يدلنا على أنّ ابن عباس كان ينسخ كتاب الإمام وأنّه كان يجلّد الكتب الّتي ترده من الإمام (عليه السلام) ، وعليه فيمكن عدّ ابن عباس من الأوائل الذين جمعوا كلام الإمام في مجلد. وإن لم يشر إلى ذلك دارسو نهج البلاغة ، وهذا نص له دلالته الإيجابية.
ثمّ إنّه قد وردت عن ابن عباس مرويات في شتى فنون المعرفة رواها عنه رواة بصريون يعدّون بالعشرات ، ستأتي تراجمهم في الحلقة الثالثة من الموسوعة إن شاء الله تعالى ، وهؤلاء كانوا امتداداً لمدرسته في البصرة.
أمّا عن سلوكه الشخصي في البصرة ، فهو جزء متشابك مع النشاط الإداري والسياسي والتوجيه الديني والعلمي ولما كانت البصرة مهبط إبليس ـ كما مر
____________
(١) مصنف أبي شيبة ١١ / ٢٩٣ ط باكستان.
(٢) أخبار اصبهان ٢ / ١١٣ط أفست إسماعيليان عن ط ليدن.