إنّ مصر أعظم من الشام أكثر خيراً ، وخير أهلاً ، فلا تغلبوا على مصر ، فان بقاء مصر في أيديكم عزّ لكم وكبت لعدوكم ، اخرجوا إلى الجرعة بين الحيرة والكوفة فوافوني بها هناك غداً إن شاء الله).
وبكّر من الغد إلى الجرعة وأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه من الناس مائة رجل ، وعلى رواية الطبري فلم يوافه منهم رجل واحد ، فرجع وقد ساءه تخاذل أصحابه وتثاقلهم عن نصرة محمّد. فلمّا كان العشي بعث إلى رؤساء الناس وأشرافهم فدخلوا عليه وهو حزين كئيب فلمّا حضروا خطبهم عاتباً وغاضباً فقال : (الحمد لله على ما قضى من أمري ، وقدّر من فعليّ ، وابتلاني بكم أيّتها الفرقة ممّن لا يطيع إذا أمرتُ ، ولا يجيبُ إذا دعوتُ ، لا أباً لغيركم ، ما تنتظرون بصبركم والجهاد على حقكم! الموت والذل لكم في هذه الدنيا على غير الحقّ ، فوالله لئن جاء الموت ـ وليأتينّ ـ ليفرقنّ بيني وبينكم ، وأنا لصحبتكم قالٍ ، وبكم غير ضنين ، لله أنتم ألا دين يجمعكم! ألا حميّة تغضبكم! ألا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم! ويشن الغارة عليكم ، أو ليس عجباً أنّ معاوية يدعو الجناة الطغاة الظلمة فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة ويجيبونه في السنة المرة والمرتين والثلاث إلى أيّ وجه شاء ، ثمّ أنا أدعوكم وأنتم أولو النهى وبقية الناس على المعونة وطائفة منكم على العطاء فتقومون عني وتعصونني ، وتختلفون عليَّ!) (١).
فقام إليه مالك بن كعب الهمداني ثمّ الأرحبي فقال : يا أمير المؤمنين اندب الناس فإنّه لا عطر بعد عروس ، لمثل هذا اليوم كنت أدّخر نفسي ، والأجر لا يأتي
____________
(١) أنظر تاريخ الطبري ٥ / ١٠٧ ط دار المعارف.