فأدّى منه مائتي ألف ، وعجز عن الباقي ففرّ هارباً إلى معاوية وبلغ الإمام ذلك فهدم داره وقال : (ما له برّحه الله فعل فعل السيّد ، وفرّ فرار العبيد ، وخان خيانة الفاجر ، أما والله لو أنّه أقام فعجز ما زدنا على حبسه ، فإن وجدنا له شيئاً أخذناه ، وإن لم نقدر على مال تركناه) » (١).
وهنا لابدّ لي من وقفة مع الذين نقدوا سياسة الإمام في تلك الحالة. وإنّما هم على شاكلة مصقلة بن هبيرة الّذي كان يقول : « أما والله لو أنّ ابن هند أو ابن عفان لتركها لي.
ويقول لصديق له : ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مائة ألف في كلّ سنة. فقال له صاحبه وهو يحاوره : إنّ هذا لا يرى هذا الرأي ، لا والله ما هو بباذل شيئاً كنت أخذته » (٢).
قال الدكتور طه حسين : « وكان أمر مصقلة هذا من أوضح الأدلة وأقواها على طبيعة الطاعة الّتي كان كثيراً من أشراف أهل العراق يبذلونها لعليّ ، فقد التوى بدَينه ، وحُمل إلى ابن عباس ، فلمّا طالبه ابن عباس بأداء الدين قال : لو قد طلبت أكثر من هذا إلى ابن عفان ما منعني إياه ...
فلم تكن طاعة مصقلة إذا لعليّ طاعة الرجل الّذي يُصدر في كلّ ما يأتي عن معرفة الحقّ والإيمان به والقيام دونه والصبر على ما يكون من نتائج هذا كلّه ، وإنّما كانت طاعته طاعة رجل من الناس لخليفة من الخلفاء ، رجل يؤثر
____________
(١) تاريخ الطبري ٦ / ٦٥ ـ ٧٥ ط الحسينية ، و ٥ / ١١٣ ـ ١٣٠ ط دار المعارف ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٢٦٤ ـ ٢٧١ ط مصر الأولى.
(٢) تاريخ الطبري ٥ / ١٣٠ ط دار المعارف.