أن كان هو النص والوصاية من السابق إلى اللاحق ـ كما هو مبدأ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)؟ فما باله الآن يقول للناس : إن أحببتم ... وإن كرهتم ... وكأنّه ترك النص والتزم الدعوة إلى الشورى والاختيار؟ وهذا ما كان يرفضه هو وجميع أهل البيت من قبل ، وقد ردّه هو بكلّ قوة منذ أيام الخالفين الّذين ابتدعوه. وفي محاوراته مع عمر في أيامه ما يكفي لإثبات مبدأ النص ورفضه مبدأ الإختيار.
أليس هو الرادّ على عمر قوله : « كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة ، فتجحفوا الناس جحفا ، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت فأصابت ووُفقت »؟
فرد عليه ابن عباس بقوله : أمّا قولك إنّ قريشاً كرهت فإنّ الله تعالى قال لقوم : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) (١) ، وأمّا قولك : إنّا كنا نجحف ، فلو جحفنا بالخلافة جحفنا بالقرابة ، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من أخلاق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الّذي قال الله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) ، وقال له : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣) ، وأمّا قولك : فإنّ قريشاً اختارت فأصابت ووُفقت ، فإنّ الله يقول : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَة ) (٤) ، وقد علمت يا أمير المؤمنين أنّ الله اختار من خلقه لذلك من اختار ، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها ،
____________
(١) محمّد / ٩.
(٢) القلم / ٢.
(٣) الشعراء / ٢١٥.
(٤) القصص / ٦٨.