الأوّل ، ولولاهم لعاجله الحرب ، ولكن جرى القدر الماضي على قدر ، فلمّا قضى على الزمرة الناكثة واتباعهم ، وأتى الكوفة أخذ في إسداء النصائح قبل أن يعلن الحرب ، وجرت مكاتبات دامت سبعة عشر شهراً ، لم تردع معاوية ولم تخضعه ، فصمّم حينئذٍ على الإستعداد والمسير بنفسه ، فكتب إلى عماله وأمراء الأجناد أن يوافوه بأجنادهم إلى النخيلة. وكان ابن عباس أحد من كتب إليه الإمام في ذلك.
روى نصر في كتابه بسنده عن عبد الله بن عوف بن الأحمر : « أنّ عليّاً لم يبرح النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة ، وكان كتب عليّ إلى ابن عباس وإلى أهل البصرة :
أمّا بعد فأشخص إليَّ مَن قِبلك من المسلمين والمؤمنين ، وذكّرهم بلائي عندهم ، وعفوي عنهم ، واستبقائي لهم ، ورغّبهم في الجهاد ، وأعلمهم الّذي لهم في ذلك من الفضل.
فقام فيهم ابن عباس فقرأ عليهم كتاب عليّ ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : (أيّها الناس ، استعدّوا للمسير إلى إمامكم ، وانفروا في سبيل الله خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ، فإنكم تقاتلون المحلّين والقاسطين ، الذين لا يقرءون القرآن ، ولا يعرفون حكم الكتاب ولا يدينون دينَ الحقّ ، مع أمير المؤمنين وابن عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، والصادع بالحقّ والقيّم بالهدى ، والحاكم بحكم الكتاب ، الّذي لا يرتشي في الحكم ولا يداهن الفجّار ، ولا تأخذه في الله لومة لائم).
فقام الأحنف بن قيس ، فقال : نعم والله لنجيبنّك ، ولنخرجنّ معك على العسر واليسر ، والرضا والكره ، نحتسب في ذلك الخير ، ونأمل من الله العظيم من الأجر.