نظر إلى احتمالات كثيرة يتعلّق بعضها بالأخلاق إذ تنحدر أو تعلو ، ويرتبط بعضها بالصدف والتقادير الّتي لابدّ في دفعها لمنكسر ، ولابدّ في إعدادها وإنزالها منزلة السلاح القادر القاهر لمنتصر أو لذي دهاء.
وعلى كلّ حال فهؤلاء يريدون من عليّ أن يوارب في السياسة ، وأن يستغل الظرف في القتال ويأبى هو ذلك.
إنّهم يريدونه أن يكون معاوية بن أبي سفيان ، وهو عليّ بن أبي طالب؟ ... اهـ. » (١).
وفي هذا التصوير والتقدير الّذي رآه جرداق فقد شاركه في التصوير قبله السيّد قطب في كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام فقال : « والذين يروون في معاوية دهاء وبراعة لا يرونهما في عليّ ، ويعزون إليهما غلبة معاوية في النهاية إنّما يخطئون في تقدير الظروف ، كما يخطئون فهم عليّ وواجبه ، لقد كان واجب عليّ الأوّل والأخير أن يردّ للتقاليد الإسلامية قوتّها ، وأن يردّ إلى الدين روحه ، وأن يجلو الغاشية الّتي غشت هذا الروح على أيدي أمية في كبرة عثمان ووهنه ، ولو جارى معاوية في إقصاء العنصر الأخلاقي من حسابه لسقطت مهمته ، ولمّا كان لظفره بالخلافة خالصة من قيمة في حياة هذا الدين ، فما جدوى استبدال معاوية بمعاوية!؟ إن عليّاً إما أن يكون عليّاً أو فلتذهب الخلافة عنه ، بل فلتذهب حياته معها ، وهذا هو الفهم الصحيح الّذي لم يغب عنه ـ كرّم الله وجهه ـ وهو يقول : (والله ما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس) ... اهـ » (٢).
____________
(١) الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية (عليّ وعصره) ٤ / ٩٨٧ ط بيروت.
(٢) العدالة الإجتماعية في الإسلام / ١٩٧ ـ ١٩٨ ط ٤ سنة ١٣٧٣ بمصر.