السياسية بحيث تقول فسألته قائلاً : لنفرض أنّ الصدفة لم تسق عبد الرحمن بن ملجم إلى قتل عليّ ، أو لنفرض أنّ الصدفة شاءت أن يكون إلى جانب عليّ صبيحة مقتله رهط من أنصاره فوقوه الضربة الغادرة فنجا ، ثمّ عاد ثانية لتأديب معاوية تنفيذاً لما كان عازماً عليه ، وانتصر على جند الشام في معركة السيف كما كان مرجّحاً أن يكون! أو لنفرض إن حيلة التحكيم في موقعة صفين لم تجز على قسم من جيش عليّ ، فتابعوا القتال وقبضوا على معاوية وعمرو بن العاص ، وانتهى أمر الموقعة كما انتهى أمر موقعة الجمل!
أقول : لنفرض كلّ هذا أو شيئاً من هذا ، وأنّ عليّاً انتصر أخيراً على معاوية كما انتصر على طلحة والزبير ـ وهو إن لم ينتصر فعلى الصدفة والقدر تقع المسؤولية ـ فماذا كنت تقول في سياسة عليّ عند ذاك؟! وأي مطعن في كفاءاته كنت ترى؟!
أما كنت تقول مع القائلين : إنّ عليّاً جمع إلى البلاغة والحكمة وشرف النفس وصفاء الوجدان ، دهاءً فوق دهاء معاوية في السياسة ، وطاقة فوق طاقة عمرو بن العاص في مواجهة الأحداث ومعالجة المعضلات له.
وما يقال في شأن عليّ بهذا الصدد يقال في شأنه يوم أخذ عليه الآخذون عزل معاوية عن الولاية ، وعزل غيره من الولاة الذين شاءت الصدف وأحوال العصر وسياسة عثمان وأوضاع الناس أن تمدهم بأسلحة لا شأن في مقارعتها للخُلق السليم والإدراك العظيم والكفاءة الخالصة. لقد تعوّد الناس وفيهم الدارسون والمؤرخون أن ينساقوا في تيار المألوف من النظر في الأمور والحكم عليها. وفي مقدّمة هذا المألوف أن تقاس كفاءات الرجال في الصراع بمقياس الانتصار والإنكسار ، دونما نظر إلى الأسلوب المتّبع في إدراك النصر ، ودونما