كما أنّ من مخلفات الحرب الفكرية الّتي واجهت المسلمين يومئذ في عقائدهم مسألة القضاء والقدر الّتي طرحتها عائشة كعذر مبرّر لخروجها (١).
وانصاع لهذه المسألة غير واحد من البصريين ، واستمر الخلاف حولها بعد ذلك حتى انفصل واصل بن عطاء عن الحسن البصري وانضم إلى واصل عمرو ابن عبيد ، وعلى ذلك انبثقت الفرق النظامية والهذيلية والحائطية والجاحظية وكلّها فرق بصرية المنشأ بغدادية الثمر حتى قال أحمد : « إنّ ثلث أهل البصرة قدرية » (٢).
فهذه المخلّفات شكّلت تركة ثقيلة يصعب على الوالي الجديد تصريفها ومعالجتها من دون وعي وحزم مع صبر وأناة ، مضافاً إلى التعقيدات الفكرية الّتي كان أصحاب الديانات الأخر كاليهود والنصارى ممّن كانوا في البصرة يلقونها في أذهان المسلمين فيشوّشوا أفكارهم ، وقد ورد اسم أبي الجلد ممّن كان يقرأ التوراة والقرآن ، وذكروا له لقاءات مع ابن عباس ، وسيأتي مزيد بيان عنه في الحلقة الثالثة من الموسوعة ان شاء الله تعالى ، فكل تلك التراكمات والتداعيات تستدعي من ابن عباس أن يبذل جهداً مضاعفاً لهداية الناس وتوجيههم نحو السبيل الأمثل والطريق الأقوم ، وقد فعل ذلك بكلّ حنكة ودربة ، وتحمّل من العناء جهداً كبيراً.
ولابدّ لنا من المرور ببعض الشواهد الدالة على التخلف الديني عند بعض شرائح المجتمع البصري ـ يومئذ ـ ولنأخذ بعض المسائل العبادية مثلاً
____________
(١) كما مرّ في جوابها لابن عباس فراجع محاوراتها برواية البدء والتاريخ للمقدسي.
(٢) تهذيب التهذيب لابن حجر ٨ / ١١٤.