وواجهته الإنقسامات القبلية وهي أشدّ عنفاً وشراسة ، فالقبائل المضرية والأزد ـ وتميم منهم ـ إن لم تكن جميعها تبغض الحكم القائم ، فلا شك في أنّ كثيراً منهم خصوصاً بعض قبائل بني تميم كانت تبغضه ، وتنتقد علانية الحكم والنظام القائم المتمثل بشخصية الوالي من دون خوف ولا حياء ، وكلما تسامح معهم ازدادوا غيّاً ، وكلما نصح صمّوا أسماعهم عن نصائحه كأن رغاء (عسكر) لا يزال ملأ أسماعهم ، مصرّين على الخلاف ، واستداموا على ذلك ـ فيما يبدو ـ إلى أمد بعيد وأحسب أنّها ـ كما سمّاها ابن عباس ـ الهناة الّتي كانت من الناس فاستشار فيها زياداً ، وهي أوّل تجربة له في اختباره زياداً وهل بقي في نفسه بعدُ من درن الاعتزال شيء؟
فقال له : إن كنت تعلم أنّك على الحقّ ، وأنّ من خالفك على الباطل أشرت عليك بما ينبغي ، وإن كنت لا تدري أشرت عليك بما ينبغي كذلك.
فقال له ابن عباس : إنّي على الحقّ وإنّهم على الباطل.
فقال : اضرب بمن أطاعك مَن عصاك ومَن ترك أمرك ، فإن كان أعزّ للإسلام وأصلح له أن يضرب عنقه فاضرب عنقه (١).
ومع أنّ زياداً اجتهد له رأيه ، فإنّ ابن عباس لم يكتف بذلك فكان عليه أن يستطلع رأي الإمام ، فكتب إليه فيما ينبغي له عمله في معالجة الأمور. فكان جواب الإمام إليه :
(من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس ، أمّا بعد فالحمد لله ربّ العالمين وصلّى على سيّدنا محمّد عبده ورسوله. أمّا بعد فقد قدِم عليَّ
____________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٥٤٣ ط دار المعارف.