رسولك (أتاني كتابك) وذكرت ما رأيت (تذكر فيه ما رأيت من أهل البصرة بعد خروجي منهم وإنّما ينقمون لرغبة يرجونها أو عقوبة يخافونها) وبلغك عن أهل البصرة بعد انصرافي وسأخبرك عن القوم : هم بين مقيم لرغبة يرجوها ، أو عقوبة يخشاها ، فأرغب راغبهم بالعدل عليه ، والانصاف له ، والاحسان إليه ، وحلّ عقدة الخوف عن قلوبهم ، فإنّه ليس لأمراء أهل البصرة في قلوبهم عظم إلاّ قليل منهم ، وانته إلى أمري ولا تعدُه ، وأحسن إلى هذا الحي من ربيعة وكلّ من قبلك فأحسن إليهم ما استطعت ان شاء الله والسلام). وكتب عبيد الله بن أبي رافع في ذي القعدة سنة ٣٧ (١).
فانتهى الحبر لأمر الإمام ، إلاّ أنّ من بني تميم من لم يزالوا على تنكّرهم ، حتى كانوا يترصدون عليه أعماله وأقواله لعلهم يصيبوا منه غرّة عن غفلة ، فهيّأوا له ناساً يردّون عليه وهو على المنبر ، وهذا أزرَى ما تقوم به الرعية مع الراعي ، كما حدث أنّه كان يخطب مرة بعد العصر ، فلم يزل يخطب حتى غربت الشمس وبدت النجوم في السماء ، فطفق رجل من بني تميم يقول : الصلاة الصلاة ، ولا شك أنّه قصد استفزاز الناس للنقمة بتلك النغمة. لكن ابن عباس وهو حبر الأمة لم يحفل به ، بل قال له : لا أم لك أنت تعلّمني السنّة ، فقد جمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الصلاتين بين المغرب والعشاء ، ثمّ أقبل على الناس وأتمّ خطبته ، ثمّ نزل فصلّّّى بالناس (٢).
وإذ تجاوز عتوّ بني تميم حدود الصبر عليه ، تنمّر لهم ابن عباس بإقصائهم عن مجلسه ، وكلّمه بعض الأشراف فيهم فسمّاهم له : شيعة الجمل وأنصار عسكر
____________
(١) نهج السعادة ٤ / ١٢٩ نقلاً عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم ، وشرح ابن أبي الحديد ، وبحار الأنوار ، ونزهة الناظرللحلواني. وما بين القوسين منها.
(٢) سيأتي المصدر مع بيان أكثر حول هذه الواقعة في (التوجيه العلمي والديني).