فخرج من عنده منصرفاً إلى أهله ، فعجلت في أثره مسرعاً ، وكان لي من بني عمه صديق ، فأردت أن ألقى ابن عمه ذلك فأعلمه بشأنه ، ويأمره بطاعة أمير المؤمنين ومناصحته ، ويخبره أنّ ذلك خير له في عاجل الدنيا وآجل الآخرة. فخرجت حتى انتهيت إلى منزله وقد سبقني ، فقمت عند باب داره. وفي داره رجال من أصحابه لم يكونوا شهدوا معه دخولَه على عليّ. قال : فوالله ما خرم شيئاً ممّا قال ، وممّا ردّ عليه ، ثمّ قال لهم : يا هؤلاء إنّي قد رأيت أن أفارق هذا الرجل ، وقد فارقته على أن أرجع إليه من غد ، ولا أراني إلاّ مفارقه من غد.
فقال له أكثر أصحابه : لا تفعل حتى تأتيه ، فإن أتاك بأمر تعرفه قبلتَ منه ، وإن كانت الأخرى فما أقدرك على فراقه.
فقال لهم : فنعم ما رأيتم ... ».
ثمّ ذكر الطبري مفارقته في أصحابه ، وبلغ الإمام ذلك : « فقال : قد فعلوها ، بعداً لهم كما بعدت ثمود ، أمّا لو قد أشرعت لهم الأسنة ، وصبّبت على هامهم السيوف لقد ندموا. إنّ الشيطان اليوم قد استهواهم وأضلّهم ، وهو غداً متبرئ منهم ومخلّ عنهم.
قال : فقام إليه زياد بن خصفة فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّه لو لم يكن من مضرّة هؤلاء إلاّ فراقهم إيّانا لم يعظم فقدُهم فنأسى عليهم ، فإنّهم قلّما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا ، وقلّما ينقصون من عددنا بخروجهم عنا ، ولكنّا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممّن يقدمون عليه من أهل طاعتك ، فإذن لي في إتّباعهم حتى أردّهم عليك إن شاء الله.