التنافر والعداء بالرغم من انتمائهم البلدي ولكن ليس بالعقدي ، ومع ذلك فقد بذل جهداً كبيراً في سبيل لمّ الشمل وجمع الكلمة ، وقد كتب إلى معاوية يدعوه إلى مبايعته ، وردّ عليه معاوية بمثل ذلك ، وأعلمه الرسل باستعداد معاوية لغزو العراق ، ثمّ خروجه في ستين ألفاً يريد العراق. فعندها كتب الإمام الحسن (عليه السلام) إلى عمّاله يأمرهم بالإحتراس ثمّ ندب الناس إلى حرب معاوية (١).
ولنترك الحديث عن بقية المأساة فإنّها بالغة الأسى فمن تخاذل وتقاعس عن الخروج إلى خيانة بعد خيانة ، وجناية بعد جناية حتى الّذين أرسلهم الإمام الحسن (عليه السلام) مقدمة لجيشه مع ابن عمه عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد فقد صار الأشراف يتسللون لواذاً إلى معاوية وهو قريب منهم في عسكره ، فكتب قيس إلى الإمام الحسن وهو بالمدائن بذلك فخطب الناس وقال : (يا أهل العراق ما أصنع بجماعتكم معي ، هذا كتاب قيس بن سعد يخبرني بأن أهل الشرف منكم قد صاروا إلى معاوية ، أما والله ما هذا بمنكر منكم ، لأنكم أنتم الّذين أكرهتم أبي يوم صفين على الحكمين ، فلمّا أمضى الحكومة وقبل منكم اختلفتم ، ثمّ دعاكم إلى قتال معاوية ثانية فتوانيتم ، ثمّ صار إلى ما صار إليه من كرامة الله إياه ، ثمّ إنكم بايعتموني طائعين غير مكرهين ، فأخذت بيعتكم وخرجت في وجهي هذا والله يعلم ما نويت فيه ، فكان منكم إليَّ ما كان ، يا أهل العراق فحسبي منكم لا تعزوني في ديني فإني مسلّم هذا الإمر إلى معاوية) (٢).
____________
(١) أنظر الفتوح لابن أعثم ٤ / ١٥٣ ط دار الندوة افست عن طبعة حيدر اباد.
(٢) نفس المصدر ٤ / ١٥٧.