رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تعامله مع أعدائه الّذين حاربوه في ابتداء الإسلام كأبي سفيان وابنه معاوية وبقية المشركين ممّن حاربوا الله ورسوله ، ولمّا ظهر أمر الله وهم له كارهون دخلوا في حظيرة الإسلام طوعاً وكرهاً ، فعاملهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمنتهى التلطف وتألّفهم بالعطاء ، وفاضل بينهم فيه ، وغض عينه عن مساويهم وسوابقهم السيئة ، حتى فرض لهم سهماً في الزكاة ، سوى ما كان يمنحهم من الغنائم ، وقصة غنائم هوازن خير شاهد على ذلك ، وقد أثارت سخط الأنصار ، فلم يتراجع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن موقفه غير انّه استرضى الأنصار بحضوره عندهم وسلّ السخيمة من صدورهم فرضوا.
فابن عباس في كتابه يطلب من الإمام الحسن (عليه السلام) أن ينهج ذلك النهج ، وضربه المثل بما جاء عن أئمّة العدل جده وأبيه فيما تفرضه ظروف الحرب ، وأنّ الحرب خدعة ، وله فيها سعة ما لم يبطل حقاً ، وينتقص مسلماً حقاً هو له.
ولمّا كان الإمام الحسن (عليه السلام) في حالة حرب مع معاوية منذ أيام أبيه ، ولم يتغيّر الحال ، فله أن يستعمل أساليب الغلبة ما وسعه ذلك ، وحتى التفاضل في العطاء الّذي رآه ابن عباس ناجحاً في ذلك الظرف لاستمالة قلوب الزعماء لم يخرج عن حدود تألف القلوب الّذي سنّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع المؤلفة قلوبهم بذلك ، فأنا من رواية الخطى على تحفظ.
ومهما يكن فقد سبق السيف العذل وجاوز الحزام الطبيَين ، فإنّ المجتمع الكوفي لم يكن في هواه على وتيرة واحدة ، وشرائحه المختلفة والمتباينة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار كما قلناه آنفاً تكفي لزعزعة الثقة بهم. فكيف للإمام الحسن (عليه السلام) أن يجمع كلّ أولئك تحت خيمة واحدة على ما بينهم من