في تكليفه انتقل من الصلاة قائماً إلى الصلاة مستلقياً مؤدياً للركوع والسجود وباقي أفعاله بالإيماء؟ ومهما يكن فقد أورد راويه هذا الخبر وأورده مخرّجه بسنده توثيقاً له مدلّلين على احتياج ابن عباس إلى عائشة وأبي هريرة وبعض أصحابه (؟) ليعرّفوه حكمه لو فعل ما أشار عليه به الجرّاح.
ألا على العقول العفا تلك الّتي تصدّق بذلك ، فأين أثر دعاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له بأن يفقهه في الدين ويعلمه الحكمة وهم يروونه؟ ثمّ ألم تكن عائشة هي الّتي شهدت له في سنة ٣٥ هـ حين ولي أمر الموسم بأنّه أعلم الناس بالحج ، وهو الّذي كان عمر يستفتيه ويقول له غص يا غواص وقد مرّ ذلك كلّه ، وقال عنه طاووس : « رأيت سبعين من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا تدارأوا صاروا إلى قول ابن عباس » (١) ، وفي لفظ البغوي عنه : « أدركت خمسين أو سبعين من الصحابة إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابن عباس لا يقومون حتى يقولوا هو كما قلت أو صدقت » (٢).
وقال عليّ بن المديني : « لم يكن في أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحد له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلاّ ثلاثة وعدّ ابن عباس منهم » (٣).
وأخيراً لقد مرّ بنا في أعقاب حرب الجمل في مواقف متشنجة شواهد على ما كان بين عائشة وابن عباس من نفور لم تحتمله الصدور حتى بدا فوق السطور. فكيف نصدّق الرواة في استفتائه منها؟
____________
(١) الإصابة ترجمة ابن عباس.
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) تهذيب الأسماء واللغات للنووي ١ / ٢٧٤ ط المنيرية.