يبكي عليه حتى ذهب بصره » (١). وسيأتي أنّه لمّا كان يدخل على معاوية كان لا يستبين مكانه بل كان يستعين بقائده.
ومهما يكن تحديد الزمن إلاّ انّ بعض المناقبيين قد اتخذ من مسألة كفّ بصر ابن عباس ذريعة إلى مبتغاه ، فروى أنّ السبب كان رؤيته جبرئيل عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد مرّ في الجزء الأوّل تفنيد ذلك عند الكلام عن حياته في عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فراجع.
ولم يقصّر عن هذا آخر حين قصّر بفهم ابن عباس وفقهه عن إدراك حكم تكليفه حين كفّ بصره وقد أتاه من عرض عليه إجراء عملية جراحية على أن يصلي سبعة أيام مستلقياً يؤمي ايماء ، فزعم الراوي أنّه أرسل إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما من أصحابه (؟) كلّ يقول : « أرأيت إن متّ في هذه السبع كيف تصنع بالصلاة؟ قال فترك عينه ولم يداوها » (٢).
فبهذا الخبر أثبت الراوي جهل ابن عباس بوظيفته الشرعية فهو لا يعلم كيف يعمل وما هو حكم تكليفه؟ فاستفتى عائشة وأبا هريرة ، وبعض أصحابه (؟) ممّن لم يكشف الراوي عن هويّتهم المجهولة ، فأتته فتاواهم متفقة : « كلّ يقول : أرأيت إن متّ في هذه السبع كيف تصنع بالصلاة؟ ».
وما أدري كيف استساغ الراوي رواية ذلك وهو يروي بأنّ ابن عباس لو رضي باجراء العملية كان عليه أن يصلي مستلقياً إيماءً ، فهل مَن كان حكمه ذلك يقال له : كيف تصنع بالصلاة؟ فهل هو يترك الصلاة كلية؟ أم انّ فرضه وحكمه
____________
(١) تذكرة الخواص / ٩٠ ط حجرية سنة ١٢٨٥ هـ.
(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ٥٤٥ وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه.