وإلى هنا فقد لاحظنا اتفاق المؤرخين الأوائل لحديث مأساة التحكيم على الدور الفاعل والمؤثر للأشعث بن قيس ونشاطه المحموم هو والقرّاء معه في ترجيح كفّة معاوية على كفّة عليّ ، بدءاً من رفع المصاحف وانتهاءً بسكوت الإمام على مضض لما يريدون ، حتى أنّ بعض المؤرخين نمّ على نفسه في حديثه عن تلك المأساة باقتضابه بعد حديثهما.
ولقد مرت بنا كلمة اليعقوبي : « فتنازع الأشتر والأشعث في هذا كلاماً عظيماً حتى كاد أن يكون الحرب بينهم ».
ومرّ بنا قول المسعودي : « وجرى له ـ للإمام ـ مع القوم خطب طويل قد أتينا ببعضه ».
فيا ترى ما ذلك الخطب الطويل؟ ولماذا كتمه المسعودي؟
ومهما يكن فإنّ الإمام ـ كما مرّ ـ كان مضطهداً ، وكما قال ابن عباس : « فخاف أن ينكشفوا منه ويتفرقوا عنه ... ولو كان معه من يصبر على السيف لكان الفتح قريباً ».
٥ ـ قال نصر : « وذكروا أنّ ابن الكوّاء قام إلى عليّ فقال : هذا عبد الله بن قيس وافد أهل اليمن إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وصاحب مقاسم أبي بكر ، وعامل عمر ، وقد رضي به القوم ، وعرضنا على القوم عبد الله بن عباس فزعموا أنّه قريب القرابة منك ظَنون في أمرك ... اهـ » (١).
ولم يذكر لنا نصر ما ردّ به الإمام على ابن الكوّاء؟ إلاّ أنّه قال : « فبلغ ذلك أهلَ الشام ، فبعث أيمن بن خُريم الأسدي ـ وهو معتزل لمعاوية ـ هذه الأبيات ، وكان هواه أن يكون هذا الأمر لأهل العراق فقال :
____________
(١) وقعة صفين / ٥٧٥ ط مصر سنة ١٣٦٥.