وكان والحال هذه لابدّ لابن عباس من الذهاب إلى الكوفة بين فترة وأخرى ما وسعه ذلك ، لمواساة الإمام والتخفيف عنه بعض حزنه ، وقد مرّ بنا حضوره بعد مقتل محمّد بن أبي بكر (رحمه الله) ليعزي الإمام بمقتل محمّد ، فقتله كان الفادحة العظمى الّتي سلبت مصر من حكومة الإمام ، وجريمة شنعاء ارتكبها ابن العاص وجنده في قتله.
ولما لم تكن لدينا تواريخ محدّدة باليوم والشهر لذلك الحضور ولا غيره ممّا يشابهه ، فصرنا نستعين في التحديد التقريبي بنصوص الوثائق الّتي يرد فيها ما يشير إجمالاً إلى حَدَث معيّن. ونحن من خلال تلك النصوص نستشفّ تاريخ الحضور.
ولدينا الآن نصّان لهما أهميتهما القصوى في تصوير الحزن الّذي أحاط بالإمام من ست جهاته ـ كما يقال في المثل ـ وهما متشابهان شبهاً كثيراً في المضمون ممّا جعلنا نذكرهما كصنوين. مضافاً إلى الزمان والمكان فكلّ منهما حَدَثَ في الكوفة ، وكلّ منهما يرويه ابن عباس رواية حضور ولا يخفى أنّ عنصر المشاهدة أكثر ضبطاً للخصوصيات ويمتاز بها الراوي على غيره من رواة السماع.
كما أنّ كلاً منهما فيه لابن عباس أثر ذاتي يعكس مشاركته للإمام في أحزانه بوجدانه.
كما نرى فيهما الإمام يفضي إليه بما يعتلج بصدره ممّا لحقه من ظلم الأمة له وهضمها لحقوقه ، ومن غريب الصدف أن نجدهما معاً ينتهيان بمفاجأة تعرض فينهي الإمام كلامه عندها.