تريد على أن تمسك عن ابن عباس فلا تذكره بعد هذه الكلمة فأعطاه وأرضاه ...
وقال : إنّ عبد الله بن عباس دعا على ابن فسوة فخرس وأصابه خبل مات فيه ... » (١). وروى الخبر ابن قتيبة (٢).
وقد يساور الشك بعض القراء فيتخيل البخل في ابن عباس حيث لم يتق شر لسان ابن فسوة ، فيسد فمه بلهوة ، ولكن سرعان ما يتبدد ذلك الخيال حين يقرأ نماذج من أقوال معاصريه في سخائه.
كقول عطاء : « ما رأيت مجلساً قط أكرم من مجلس ابن عباس أكثر علماً وأعظم جفنة » (٣).
وقول مجاهد : « كان ابن عباس أمدّهم قامة ، وأعظمهم جفنة ، وأوسعهم علماً » (٤).
وقول الضحاك : « ما رأيت بيتاً أكثر خبزاً ولحماً من بيت ابن عباس » (٥).
فمن كان كذلك في بذله الطعام ، وإكرام الكرام ، لا يذهب الوهم بالقارئ أنّه منع ابن فسوة بخلاً ، وإنّما رأى في إعطائه معونة على الكفر والعصيان فلا يحلّ له إكرامه ، وهو يعصي الرحمن ويقول البهتان.
وحسبنا دليلاً على وضعه الكرم موضعه حديث وفادة أبي أيوب الأنصاري على ابن عباس بالبصرة وإكرامه ، حتى خرج عن داره فأنزله فيها ـ كما أنزل
____________
(١) أنساب الأشراف (ترجمة ابن جعفر) ٢ / ٤٩ تح ـ المحمودي.
(٢) الشعر والشعراء / ١٣٧.
(٣) أنظر تاريخ بغداد ١ / ١٧٤.
(٤) أنظر طبقات ابن سعد ترجمة ابن عباس تح ـ السُلمي ص٢٠٣.
(٥) أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي ٤ / ٤٥١ ط دار الفكر.