أن يكون مثله ، وقد زوّج ابنة له من ابن أخيه وهو فقير ، وليس عنده ما يجهزها به. فقام عبد الله بن عباس فأخذ بأيديهم فأدخلهم داره ففتح صندوقاً فأخرج منه ست بُدرٌ ثمّ قال : احملوا فحملوا. فقال ابن عباس : ما أنصفناه أعطيناه ما يشغله عن صيامه وقيامه ، ارجعوا نكن أعوانه على تجهيزها ، فليس للدنيا من القدر ما يشغل به مؤمناً عن عبادة ربّه تعالى ، وما بنا من التكبّر ما لا نخدم معه أولياء الله تعالى ، ففعل وفعلوا ».
وروى البلاذري : « إنّ ابن عباس كان يعشّي الناس بالبصرة في شهر رمضان ويحدّثهم ويفقههم فإذا كانت آخر ليلة من الشهر ودّعهم ثمّ قال : ملاك أمركم الدين ، ووصلتكم الوفاء ، وزينتكم العلم ، وسلامتكم في الحاكم ، وطَولكم في المعروف ، إنّ الله كلّفكم الوسع فاتقوه ما استطعتم » (١).
هذه نبذة مقتطفة من تاريخ حياته في البصرة. ولم أقف على أصدق واصف له في أيام ولايته من صعصعة بن صوحان العبدي (رحمه الله) ، وذلك عندما قدم إلى الكوفة فسأله الإمام عنه فقال : « يا أمير المؤمنين ، إنّه آخذ بثلاث وتارك لثلاث :
آخذ بقلوب الناس إذا حَدّثَ ، وبحسن الاستماع إذا حُدِّث ، وبأيسر الأمر إذا خولف. وتارك المراء ، ومقارنة اللئيم ، وما يعتذرَ منه » (٢).
ولم يخطيء صعصعة في وصفه ، كما أنّه لم يبالغ ، فقد كان ابن عباس كذلك منذ كان فتى لم تستو شؤون رأسه كما قال عمر في حقه ، ولقد رآه
____________
(١) أنساب الأشراف (ترجمة ابن عباس) برقم ١١٧ نسخة مخطوطة بقلمي.
(٢) مختصر تاريخ دمشق ١٢ / ٣١٣.