من محاوراته ، يستطيع الباحث أن يستخرج منها فكراً حيّاً ، وأدباً بارعاً ، وشجاعة متمـيّزة ، وتبقى أبرز النواحي البارزة هي العقيدة الصـامدة على الولاء لعليّ أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان هو المدافع عن حقه في كلّ مرّة وجد غمطاً لحقه من أرباب الحكم ، سواء في أيام أبي بكر أو أيام عمر أو أيام عثمان ، إلاّ أنّه قد طفح الكيل وما أعتدل الميل في أيام معاوية ، حيث كانت ناره حامية ، أحرقت اليابس والأخضر ، ومع ذلك فقد رأينا محاورات ابن عباس معه كيف صارت ارتداداتها مشؤمة على معاوية ، فهو يذعن مغلوباً ، ويستعمل الحيلة بالتحلّم في إمتصاص نقمة ابن عباس ، إذ لم يسعه الجواب على نصاعة إحتجاجاته ، للفوارق في قيم الأخلاق بين الرجلين ، فالقواعد الدينية والأخلاقية المستمدة من تعاليم القرآن وسنة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كانت ثابتة عند ابن عباس ، وبالمقابل فقدانها لدى الطرف الآخر الضارب بعَرقَهِ وعروقه إلى جذره الجاهلي ، وتاريخه يغني عن التدليل على ذلك ، فهو ابن أبي سفيان المنادي ( أعل هبل ) وهو ابن هند آكلة الأكباد :
أتاه الكفر من هنّا وهنّا |
|
فكان له بمجتمع السيول |
لشيخ الكفر صخر حين ينمى |
|
وهند أمه ذات البعول |
وإنّ هذا كلّه يدعونا إلى الحقيقة التي كانت تعكس الناحية الأخلاقية لدى كلّ من الرجليَن المتحاوريَن.
ومن الغريب المدهش أن نجد من يقول : ( كان جدّ العباسيين