الحرب ليس معاوية فيها كعليّ ، ابتدأها عليّ بالحقّ وانتهى فيها إلى العذر ، وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السَرَف ، وليس أهل العراق فيها كأهل الشام ، بايع أهل العراق عليّاً وهو خير منهم ، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه ، ولست أنا وأنت فيها بسواء ، أردتُ الله وأردتَ أنت مصر ، وقد عرفتُ الشيء الذي باعدك منّي ، ولا أرى الشيء الذي قرّبك من معاوية ، فإن ترد شراً لا نسبقك إليه ، وإن ترد خيراً لا تسبقنا إليه والسلام.
ثمّ دعا الفضل بن العباس ، فقال له : يا ابن أم (١) أجب ( عني ) عمرواً ( على شعره هذا ).
فقال الفضل :
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس |
|
فاذهب فليس لداء الجهل من آسي (٢) |
إلاّ تواتر طعن في نحوركم |
|
يشجي النفوس ويشفي نخوة الرأس |
____________________
(١) في قول ابن عباس يا ابن أم ـ على تقدير صحة النسخة ـ نحو تجوّز له ما يبرّره في الاستعمال والمخاطبات بين الناس لشدّ العزيمة وطلب المعونة. والا فمن المعلوم الثابت ان أخاه الفضل بن العباس بن عبد المطلب قد مات في طاعون عمواس سنة ١٧ ـ أو ١٨ ـ بالشام. وانما المخاطب في المقام هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ، وهو ابن اخت عبد الله بن عباس ، فان أمه آمنة بنت العباس ، ويقال لها : أمينة ـ قال البلاذري : كانت عند العباس بن عتبة بن أبي لهب فولدت له الفضل الشاعر. ولما كان الاشتراك في الاسم واسم الأب بين الشاعر اللهبي وبين خاله ، فظن من لا خبرة له أن الشاعر هو الفضل بن عباس بن عبد المطلب ، غافلاً عن تقدم وفاته ومن تفطن إلى ذلك فقد احتمل تصحيف الندبة ( يا بن ام ) عن ( يا بن عم ) باعتبار الشاعر من ذرية أبي لهب وهو من أعمام عبد الله ابن عباس ، لكن الصواب في نظري ( يا بن اختي ) لأنّه هو ابن اخته كما تقدم.
(٢) في الفتوح ( فاذهب فما لك في ترك الهدى آسي ).