من هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله هو أنه بين أن القدر في حق العباد واقع على معنى تدبير الربوبية ، وهذا لا يبطل تكليفهم العمل لحق العبودية ، وكل من الخلق مسير لما دبر له في الغيب ، فيسوقه العمل إلى ما كتب من سعادة أو شقاوة ، ومعنى العمل التعرض للثواب والعقاب.
وَفِي الْخَبَرِ « نَهَى أَنْ يُقْعَدَ عَلَى الْقَبْرِ ».
قيل أراد القُعُود لقضاء الحاجة من الحديث وقيل أراد للإحداد والحزن ، وهو أن يلازمه ولا يرجع عنه ، وقيل أراد به احترام الميت وفي القعود عليه تهاون بالميت والموت.
وَرُوِيَ « أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً مُتَّكِئاً عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ : لَا تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ ».
والقَعُودُ ـ بالفتح ـ من الإبل : ما اتخذه الراعي للركوب وحمل الزاد ، والجمع أَقْعِدَة وقِعْدَان وقَعَائِد ، وقيل القَعُود القَلُوص ، وقيل القَعُود البكر قبل أن يثني ثم هو جمل.
وَفِي الْخَبَرِ « لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُتَّقِياً حَتَّى يَكُونَ أَذَلَّ مِنْ قَعُودٍ كُلُّ مَنْ أَتَى عَلَيْهِ أَرْغَاهُ ».
أي قهره وأذله ، لأن البعير إنما يرغو من ذلة واستكانة. وقَعَدَ عن الأمر : إذا لم يهتم له. وقَعَدَ به الضعفُ : أي جعله قاعدا لا يقدر على النهوض. وتستعمل قَعَدَ ناقصة بمعنى صار في قولهم « أرهف شفرته حتى قَعَدَتْ كأنها حربة » أي صارت الشفرة كأنها حربة ، ولعل صار أيضا تستعمل بمعنى قَعَدَ ، ويتخرج على ذلك
قَوْلُهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ آدَمَ « فَغَمَزَهُ ـ يَعْنِي جَبْرَئِيلَ فَصَيَّرَ طُولَهُ سَبْعِينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِهِ ، وَغَمَزَ حَوَّاءَ عليه السلام فَصَيَّرَ طُولَهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِهَا ».
وقَعَدَ قُعُوداً ومَقْعَداً جلس ، وأَقْعَدَ غيره. والحائض تَقْعُدُ عن الصلاة أيام أقرائها : يعني لا تصلي فيهن شيئا. و « القَعْدَة » بالفتح المرة الواحدة ، وبالكسر النوع ، ومنه « ذو القَعْدَةِ » بالفتح شهر كانت العرب تجلس فيه عن الغزو.