وذلك أن الرجال كانوا يستعملون الأزر في غالب أوقاتهم ، وإذا كانوا قدام النساء فربما يبدو حجم عوراتهم عند سجودهم لضيق أزرهم ، فلو رفعن النساء رءوسهن قبل الرجال لرأين ما رأين وإذا تأخرن عن ذلك لم يرين شيئا من ذلك ، فلذلك نهين عن ذلك. ولقد عرضت هذا التوجيه على بعض مشايخ العصر فاستحسنه ، ثم ظفرت بعد ذلك بحديث في مكارم الأخلاق يشهد له ، هو ما
رَوَاهُ زُرَارَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قِصَّةِ السِّتْرَ الَّذِي قَطَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله لِأَهْلِ الصُّفَّةِ ... إِلَى أَنْ قَالَ : ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ أَهْلَ الصُّفَّةِ قَوْماً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَازِلُ وَلَا أَمْوَالٌ فَقَسَّمَهُ بَيْنَهُمْ قِطَعاً وَكَانَ طَوِيلاً لَا عَرْضَ لَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو الرَّجُلَ مِنْهُمُ الْعَارِيَ الَّذِي لَا يَسْتَتِرُ بِشَيْءٍ فَجَعَلَ يُؤَزِّرُ الرَّجُلَ ، فَإِذَا الْتَقَى عَلَيْهِ قَطَعَهُ حَتَّى قَسَّمَهُ بَيْنَهُمْ أُزُراً ، ثُمَّ أَمَرَ النِّسَاءَ لَا يَرْفَعْنَ رُءُوسَهُنَّ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى تَرْفَعَ الرِّجَالُ رُءُوسَهُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ صِغَرِ أُزُرِهِمْ إِذَا رَكَعُوا وَسَجَدُوا بَدَتْ عَوْرَاتُهُمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ، فَجَرَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَرْفَعْنَ النِّسَاءُ رُءُوسَهُنَّ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ.
إلى آخر الحديث. وهو نص في المطلوب. واتَّزَرْتُ : لبست الإزار ، وأصله بهمزتين الأولى همزة وصل والثانية فاء افتعلت ، وفي المجمع وغيره « هِيَ مُؤْتَزِرَةٌ في حال الحيض » أي مشدودة الإزار ولا يقال متزرة لأن الهمزة لا تدغم في التاء. وأَزَّرْتُ الحائط بالتشديد تَأْزِيراً : جعلت له من أسفله كالإزار.
وَفِي الْحَدِيثِ « إِذَا كَانَ الْغُلَامُ شَدِيدَ الْأِزْرَةِ كَبِيرَ الذَّكَرِ حَادَّ النَّظَرِ فَهُوَ مِمَّنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ ».
قيل كَأَنَّ المراد بِالْأِزْرَةِ القوة وبحِدَّة النظر كثرة النظر إلى المحارم ، وليس بمستبعد.
( أسر )
قوله تعالى : ( وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ ) [ ٧٦ / ٢٨ ] أي قوينا خلقهم ، فبعض الخلق مشدود إلى بعض لئلا يسترخيان. قوله : ( مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً )