مَوْجُودٌ كَمَا قُلْنَاهُ فِي أَمْرِ الْبَصَرِ ، تَعَالَى اللهُ أَنْ يُشْبِهَهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ ».
قوله تعالى : ( أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ ) [ ٣٨ / ٤٥ ] أي أيد من الإحسان وبصائر في الدين ، ألا ترى إلى قوله تعالى ( قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ) [ ٦ / ١٠٤ ] ليس بمعنى بصر العيون ( فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ) يعني ليس من البصر بعينيه ، ( وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها ) ليس يعني عمى العيون إنما عنى إحاطة الوهم ، كما يقال « فلان بَصِيرٌ بالشعر » و « فلان بَصِيرٌ بالفقه » و « فلان بَصِيرٌ بالثياب » إنما أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون. والبَصِيرُ : خلاف الأعمى ، ومنه قوله تعالى : ( وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ) [ ٣٥ / ١٩ ]. قوله : ( وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) [ ٣٧ / ١٧٩ ] أي أبصرهم ما يقضى عليهم من القتل والأسر عاجلا والعذاب الأليم آجلا ، فسوف يبصرونك وما يقضى لك من النصرة والتأييد اليوم والثواب والنعيم غدا. والبَصَرُ : العين وحاسة الرؤية. ومنه قوله تعالى : ( يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ) [ ٦٧ / ٤ ]. قوله : ( فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) [ ٥٠ / ٢٢ ] أي علمك بما آتيت به نافذ. قوله : ( بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ) [ ٦ / ١٠٤ ] أي حجج بينة ، واحدها بَصِيرَة وهي الدلالة التي يستبصر بها الشيء على ما هو به ، وهو نور القلب كما أن البَصَرَ نور العيون سميت بها الدلالة لأنها تجلي الحق ويبصر فيها. قوله : ( بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ) [ ٢٠ / ٩٦ ] أي رأيت ما لم يروه ، أو علمت ما لم يعلموه ، من البصيرة. ويقال بَصُرْتُ : علمت ، وأَبْصَرْتُ : نظرت. قوله : ( عَلى بَصِيرَةٍ ) [ ١٢ / ١٠٨ ] أي على يقين. قوله : ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) [ ٧٥ / ١٤ ] أي الإنسان بَصِيرٌ على نفسه ، والهاء دخلت للمبالغة كما في علامة ونسابة ، ويقال جوارحه تشهد عليه بعلمه.