الْقَرْيَةِ ، فَلَمَّا وَجَدَهُ الرَّجُلُ أَخَذَهُ وَرَبَّاهُ ، فَلَمَّا شَبَّ طَلَبَ أَبُوهُ كَاتِباً وَجَمَعَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ وَالنَّبَالَةِ لِيَكْتُبَ الصُّحُفَ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَشَيْثٍ عليه السلام ، وَكَانَ فِيمَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ابْنُهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ ، فَلَمَّا اسْتَحْسَنَ خَطَّهُ وَمَعْرِفَتَهُ بَحَثَ عَنْ جَلِيَّةِ أَمْرِهِ فَعَرَفَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَضَمَّهُ لِنَفْسِهِ وَوَلَّاهُ أَمْرَ النَّاسِ. ثُمَّ إِنَ الْخَضِرَ فَرَّ مِنَ الْمُلْكِ لِأَسْبَابٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا ، وَلَمْ يَزَلْ سَائِحاً إِلَى أَنْ وَجَدَ عَيْنَ الْحَيَاةِ فَشَرِبَ مِنْهَا ، فَهُوَ حَيٌّ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ ، وَإِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي يَقْتُلُهُ الدَّجَّالُ وَيُقَطِّعُهُ فَيُحْيِيهِ اللهُ تَعَالَى.
وفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ : نُقِلَ أَنَ الْخَضِرَ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَصْحَابِ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ فَآمَنَ بِاللهِ وَتَخَلَّى فِي بَيْتٍ فِي دَارِ أَبِيهِ يَعْبُدُ اللهَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَلَدٌ غَيْرُهُ فَأَشَارُوا عَلَى أَبِيهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ فَزَوَّجَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى النِّسَاءِ فَغَضِبَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَأَمَرَ بِرَدْمِ الْبَابِ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ حَرَّكَتْهُ رِقَّةُ الْآبَاءِ فَأَمَرَ بِفَتْحِ الْبَابِ فَفُتِحَ فَلَمْ يَجِدُوهُ ، فَأَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الْقُوَّةِ أَنْ يَتَصَوَّرَ كَيْفَ شَاءَ وَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ جَيْشِ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَشَرِبَ مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ ـ انْتَهَى.
واخْتَلَفَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهِ بِالْخَضِرِ : فَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَرْضٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ مِنْ خَلْفِهِ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وفِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ لِلصَّدُوقِ ( ره ) : وَمَعْنَى الْخَضِرِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ عَلَى خَشَبَةٍ يَابِسَةٍ إِلَّا اخْضَرَّتْ.
وقد اختلف العلماء فيه فقال الأكثرون هو نبي محتجين بقوله تعالى ( وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) وبأنه أعلم من موسى عليه السلام ، وَمِمَّا نُقِلَ مِنْ وَصَايَاهُ لِمُوسَى عليه السلام عِنْدَ الِافْتِرَاقِ يَا مُوسَى اجْعَلْ هَمَّكَ فِي مَعَادِكَ ، وَلَا تَخُضْ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ ، وَلَا تَتْرُكِ الْخَوْفَ فِي أَمْنِكَ ، وَلَا تَيْأَسْ مِنَ الْأَمْنِ فِي خَوْفِكَ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى : زِدْنِي. فَقَالَ الْخَضِرُ : لَا تَضْحَكْ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ ، وَلَا تُعَيِّرْ أَحَدَ الْخَاطِئِينَ بَعْدَ النَّدَمِ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ يَا بْنَ عِمْرَانَ ، يَا مُوسَى