قوله : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ) [ ٢ / ٤٥ ] قيل يراد به الصوم ، وسمي الصوم صَبْراً لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح. قوله : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها ) [ ٢٠ / ١٣٢ ] أي احمل نفسك على الصلاة ومشاقها وإن نازعتك الطبيعة التي تركها طلبا للراحة فاقهرها ، واقصد الصلاة مبالغا في الصبر ليصير ذلك ملكة لك ، ولذلك عدل عن الصبر إلى الاصْطِبَار لأن الافتعال فيه زيادة معنى ليس في الثلاثي وهو القصد والتصرف ، وكذلك قال ( لَها ما كَسَبَتْ ) بأي نوع كان ( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) بالقصد والتصرف. قيل وإذا وجب عليه الاصْطِبَار وجب علينا للتأسي. قال بعض الأفاضل : والقائم بذلك تحصل أعلا المراتب إذا لم يكن متحرجا منها ومستعظما لها ، كما قال تعالى : ( وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ ).
وَفِي الْحَدِيثِ « الصَّبْرُ صَبْرَانِ صَبْرٌ عَلَى مَا تَكْرَهُ وَصَبْرٌ عَمَّا تُحِبُّ » (١).
فَالصَّبْرُ الأول مقاومة النفس للمكاره الواردة عليها وثباتها وعدم انفعالها ، وقد يسمى سعة الصدر ، وهو داخل تحت الشجاعة والصَّبْرُ الثاني مقاومة النفس لقوتها الشهوية وهو فضيلة داخلة تحت العفة. وصَبَرْتُ صَبْراً من باب ضرب. وصَبَّرْتُهُ بالتثقيل : حملته على الصبر بوعد الأجر وقلت له اصبر. والصَّبْرُ تارة يستعمل بمِنْ كما في المعاصي وتارة بعَلَى كما في الطاعات ، يقال صَبَرَ على الصلاة ، والصَّبْرُ الذي يصبر في الضراء كما يصبر في السراء ، وفي الفاقة كما يصبر في الغناء ، وفي البلاء كما يصبر في العافية ، ولا يشكو خالقه عند المخلوق بما يصيبه من البلاء.
وَفِي الْخَبَرِ « يَأْتِي زَمَانٌ الصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ كَالصَّابِرِ عَلَى الْجَمْرِ ».
الجملة صفة زمان ، أي كما لا يقدر القادر على الجمر أن يصبر عليه لإحراق يده ، كذا المتدين يومئذ لا يقدر على ثباته على دينه لغلبة
__________________
(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٦٤.