من التضليل كالتهويد والتنصر والتمجيس. وقَوْلُهُ « حَتَّى يُهَوِّدَانِهِ ».
أي ينقلانه إلى دينهم. وقال بعض المتبحرين : ويشكل هذا التفسير إن حمل اللفظ على حقيقته فقط ، لأنه يلزم منه أن لا يتوارث المشركون مع أولادهم الصغار قبل أن يهودوهم وينصروهم ويمجسوهم ، واللازم باطل بل الوجه حمله على الحقيقة والمجاز معا ، أما حمله على المجاز فعلى ما قبل البلوغ ، وذلك أن إقامة الأبوين على دينهما سبب جعل الولد تابعا لهما ، فلما كانت الإقامة سببا جعل تهويدا وتنصرا وتمجيسا مجازا ، ثم أسند إلى الأبوين توبيخا لهما وتقبيحا عليهما ، فكأنه قال : وإنما أبواه بإقامتهما على الشرك يجعلانه مشركا كأنفسهم ، ويفهم من هذا أنه لو أقام أحدهما على الشرك وأسلم الآخر لا يكون مشركا بل مسلما. وأما حمله على الحقيقة فعلى ما بعد البلوغ لوجود الكفر من الأولاد.
وَفِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ لِلشَّيْخِ الصَّدُوقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَابَوَيْهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَيَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ ( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) وَعَنِ الْحَنِيفِيَّةِ؟ فَقَالَ : هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللهُ ( النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) قَالَ : فَطَرَهُمُ اللهُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ (١).
قَالَ زُرَارَةُ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ) الْآيَةَ. قَالَ : أَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَخَرَجُوا كَالذَّرِّ فَعَرَّفَهُمْ وَأَرَاهُمْ صُنْعَهُ ، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ رَبَّهُ. وَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله « كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ » يَعْنِي عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى خَالِقُهُ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ )(٢).
وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ اللهَ خَلَقَ النَّاسَ
__________________
(١) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٩٠.
(٢) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٧.