كُلَّهُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا لَا يَعْرِفُونَ إِيمَاناً بِشَرِيعَةٍ وَلَا كُفْراً بِجُحُودٍ ، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ الرُّسُلَ تَدْعُو الْعِبَادَ إِلَى الْإِيمَانِ ».
وفِيهِ « أَفْضَلُ مَا يَتَوَسَّلُ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ ».
قيل أشار بالأولى إلى الإقرار بلا إله إلا الله فإنها كانت يوم الميثاق ، وبالثانية إلى أنها كانت في دين الأنبياء السابقين عليه السلام ومللهم. وفِي الْخَبَرِ « عَشَرَةٌ مِنَ الْفِطْرَةِ ».
وفسر كثير من العلماء الفِطْرَةُ هنا بالسنة ، أي عشرة أشياء من سنن الأنبياء التي أمرنا بالاقتداء بهم فيها ، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه ، والمعنى أنها من سنة إبراهيم عليه السلام. ولو فسرت الفِطْرَةُ هنا بالدين لكان أوجه لأنها مفسرة في كتاب الله كذلك ، قال الله تعالى : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) أو يكون المراد بِالْفِطْرَةِ ما كان إبراهيم عليه السلام يتدين به على ما فطر الله عليه ، ويكون معنى الحديث عشرة من توابع الدين ولواحقه والمعدودات من جملته.
وَرَوَى ابْنُ بَابَوَيْهِ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ أَنَّهُ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّائِمِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قَالَ : نَعَمْ مَا لَمْ يَخْشَ ضَعْفاً عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ : فَهَلْ تَنْقُضُ الْحِجَامَةُ صَوْمَهُ؟ قَالَ : لَا. قُلْتُ : فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله حِينَ رَأَى مَنْ يَحْتَجِمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ « أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ »؟ فَقَالَ : إِنَّمَا أَفْطَرَا لِأَنَّهُمَا تَسَابَّا وَكَذَبَا فِي سَبِّهِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله لَا لِلْحِجَامَةِ.
ثم قال ابن بابويه : وللحديث معنى آخر ، وهو أنه من احتجم فقد عرض نفسه للاحتياج إلى الإفطار لضعف لا يؤمن أن يعرض له فيحوجه إلى ذلك. ثم قال : سمعت بعض المشايخ بنيسابور يذكر في معنى
قَوْلِ الصَّادِقِ عليه السلام « أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ».
أي دخلا بذلك في فطرتي وسنتي ، لأن الحجامة مما أمر به عليه السلام فاستعمله ـ انتهى (١).
__________________
(١) معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ٣١٩.