قلت لأعرابي : أفَقِيرٌ أنت؟ قال : لا والله بل مسكين. وقال ابن الأعرابي : الفَقِيرُ الذي لا شيء له والمِسْكِين مثله. وقال بعض المحققين : الفَقِيرُ والمِسْكِين متحدان في الاشتراك بوصف عدمي هو عدم وفاء الكسب والمال بمئونته ومئونة العيال ، إنما الخلاف في أن أيهما أسوأ حالا. فقال الفراء وتغلب وابن السكيت هو المسكين ، وبه قال أبو حنيفة ، ووافقهم من علماء الشيعة الإمامية ابن الجنيد وسلار والشيخ الطوسي في النهاية لقوله تعالى : ( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) وهو المطروح على التراب لشدة الاحتياج ، ولأن الشاعر قد أثبت للفَقِير مالا في قوله :
أنا الفَقِير الذي كانت حلوبته |
|
وفق العيال فلم يترك له سبد |
وقال الأصمعي : الفَقِيرُ أسوأ حالا ، وبه قال الشافعي ووافقه من الإمامية المحقق ابن إدريس الحلي والشيخ أبو جعفر الطوسي في المبسوط والخلاف ، لأن الله بدأ به في آية الزكاة ، وهو يدل على الاهتمام بشأنه في الحاجة واستعاذة النبي صلى الله عليه وآله من الفَقْرِ مع
قَوْلِهِ « اللهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِيناً وَأَمِتْنِي مِسْكِيناً وَاحْشُرْنِي مَعَ الْمَسَاكِينِ » (١).
لأن الفَقِيرَ مأخوذ من كسر الفقار من شدة الحاجة وإثبات الشاعر المال للفقير لا يوجب كونه أحسن حالا من المسكين ، فقد أثبت تعالى للمسكين مالا في آية السفينة. ثم قال : والحق أن المِسْكِين أسوأ حالا من الفَقِير ، لا لما ذكر بل لما رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) قَالَ : « الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ ، وَالْمِسْكِينُ أَجْهَدُ مِنْهُ ، وَالْبَائِسُ أَجْهَدُهُمْ » (٢). انتهى. وهو جيد. والفُقَرَاءُ في حديث الزكاة فسرهم العالم عليه السلام بالذين ( لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ).
وَفِي بَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ « الْفُقَرَاءُ
__________________
(١) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٧٨.
(٢) الحديث في البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٣٥.