والتمكين منه تعالى إلى طرفي الفعل أمر يرجع إلى نفس العبد ، وهو إرادة أحد الطرفين دون الآخر لا من الله فيلزم الجبر كما هو مذهب الأشاعرة ، فالقُدْرَةُ التامة للعبد على ما زعمه المعتزلة باطل ، والقول بعدم القُدْرَةِ على شيء من الطرفين كما زعمه الأشعرية أظهر بطلانا ، والحق ما بينهما وهو القُدْرَةُ التامة فيما يقع من العبد فعله والناقصة فيما لم يقع ، وكذا القول في الاستطاعة التامة والناقصة على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ، يؤيده قَوْلُهُ عليه السلام « بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ ».
والمراد من القَدَرِ هنا قَدَرُ العباد ، حيث زعمت المعتزلة أن العباد ما شاءوا صنعوا. والقِدْرُ بالكسر : آنية يطبخ بها ، والجمع قُدُور كحمل وحمول ، وهي مؤنثة ، وتصغيرها قُدَيْر على غير القياس.
( قذر )
فِي الْحَدِيثِ « الْمَاءُ طَاهِرٌ إِلَّا مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَذَرٌ » (١).
القَذَرُ مصدر قَذِرَ الشيءُ فهو قَذِرٌ من باب تعب إذا لم يكن نظيفا. وقَذِرْتُهُ من باب تعب أيضا : كرهته. وعن الأزهري القَذَرُ الخارج من بدن الإنسان ، يعني الغائط. والقَذَرُ : النجاسة ، وبكسر المعجم المتنجس ، ومنه شيء قَذِرٌ : بين النجاسة. ومنه قَوْلُ الصَّادِقِ عليه السلام « كُلُّ مَاءٍ طَاهِرٌ إِلَّا مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَذِرٌ ».
واختلف في المراد من العلم ، فعند أبي الصلاح هو الظن المطلق وإن لم يستند إلى سبب شرعي وعند غيره هو القطع لا غير فلا عبرة بالظن مطلقا ، وهو مذهب ابن البراج ، وعند آخرين هو ما يعم القطع والظن الخاص أعني ما أسند إلى سبب شرعي كشهادة العدلين ، وهو قريب.
وَفِي الْحَدِيثِ « بِئْسَ الْعَبْدُ الْقَاذُورَةُ ، وَإِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْعَبْدَ الْقَاذُورَةَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَمَا صَنَعَ ».
والقَاذُورَةُ : الشيء الخلق ، وكان المراد به هنا الوسخ الذي لم يتنزه عن الأقذار. وقد يطلق القَاذُورَة على الفاحشة ،
__________________
(١) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ٦.