ترددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين. قوله : ( إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ) [ ٣٨ / ٦ ] أي هذا الأمر من نوائب الدهر يراد بنا فلا مرد له ، أو أن ما قصده محمد من الرئاسة والترفع على العرب والعجم شيء يريده كل أحد. قوله : ( فَلا مَرَدَّ لَهُ ) [ ٣٠ / ٤٣ ] أي لا مصرف له ، من قولهم رَدَّ الشيءَ عن وجهه يَرُدُّهُ رَدّاً ومَرَدّاً : صرفه والرِّدِّيدَى : الرد ، ومنه الْخَبَرُ « لَا رِدِّيدَى فِي الصَّدَقَةِ ». أي لا رد فيها.
وَفِي الْحَدِيثِ « لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ ».
أي لا يصرفه ويدفعه ويهونه إلا الدعاء. وفِيهِ « لَا تَرُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ » (١).
أي لا تردوه رد حرمان بلا شيء ولو أنه ظلف. ورَدَّ عليه الشيءَ : إذا لم يقبله. وأمر رَدٌّ : أي مردود. وتَرُدُّ بها أُلْفَتَهُ : أي تجمع ما ألفه من الأهل والوطن والأليف الصاحب و « رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ » قِيلَ رُدَّتْ لَهُ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ وَفِي الْخَنْدَقِ ، وَرُدَّتْ عَلَى عَلِيٍّ مَرَّتَيْنِ أَيْضاً.
وهو مشهور متواتر. والتَّرَدُّدُ في الأمر معلوم.
وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ « مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّنِي لَأُحِبُّ لِقَاءَهُ وَيَكْرَهُ الْمَوْتَ فَأَصْرِفُهُ عَنْهُ ».
وحيث أن التَّرَدُّدَ في الأمر من الله محال لأنه من صفات المخلوقين احتيج في الحديث إلى التأويل ، وأحسن ما قيل فيه هو أن التَّرَدُّدَ وسائر صفات المخلوقين كالغضب والحياء والمكر إذا أسندت إليه تعالى يراد منها الغايات لا المبادئ ، فيكون المراد من معنى التَّرَدُّدِ في هذا الحديث إزالة كراهة الموت عنه ، وهذه الحالة يتقدمها أحوال كثيرة من مرض وهرم وزمانة وفاقة وشدة بلاء تهون على العبد مفارقة الدنيا ويقطع عنها علاقته ، حتى إذا أيس منها تحقق رجاؤه بما عند الله فاشتاق إلى دار الكرامة فأخذ المؤمن عما تشبث به من حب الدنيا شيئا فشيئا بالأسباب التي أشرنا إليها فضاهى
__________________
(١) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٥.