فالقول الأول عن رجلين من الصحابة عبد الله بن قيس وعبد الله بن عباس كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال .. وقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) فهذا لمن مات وعنده المسلمون فأمره جل ثناؤه أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين .. ثم قال تعالى ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ) (١) فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين فأمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله عز وجل لم يشتريا بشهادتهما ثمنا قليلا فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا حلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة وإنما لم يعتد بذلك لقوله تعالى ( فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ ) (٢) يقول ان اطلع على أنهما كذبا قام الأوليان فحلفا أنهما كذبا بقول الله تعالى ( ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ ) (٣) فتزيل شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء فليس على شهود المسلمين إقسام انما الإقسام إذا كانا كافرين فهذا قول ابن عباس مشروحا مبينا لا يحتاج إلى زيادة شرح .. وقال به من التابعين جماعة منهم شريح قال تجوز شهادة أهل الكتاب على المسلمين في السفر إذا كانت وصية وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعبيدة ومحمد بن سيرين والشعبي ويحيى بن يعمر والسدي وقال به من الفقهاء سفيان الثوري ومال إليه أبو عبيد لكثرة من قال به .. والقول الثاني أن الآية منسوخة وأنه لا تجوز شهادة كافر بحال كما لا تجوز شهادة فاسق قول زيد بن أسلّم ومالك بن أنس والشافعي وقول أبي حنيفة أيضا أنها منسوخة ولا تجوز عنده شهادة الكفار على المسلمين غير أنه خالف من تقدم ذكره بأنه أجاز شهادة الكفار بعضهم على بعض .. والقول الثالث أن الآية كلها في المسلمين لا منسوخ فيها قول الزهري والحسن كما قرأ عليّ .. عبد الله بن الصقر عن زياد بن أيوب عن هشيم قال أنبأنا منصور وغيره عن الحسن في قول الله تعالى ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) .. قال من غير عشيرتكم .. والقول الرابع أن الشهادة هاهنا بمعنى الحضور يحتج قائله بما يعارض به تلك الأقوال مما سنذكره .. وكذا القول الخامس ان الشهادة بمعنى اليمين كما قال الله تعالى ( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ ) (٤) .. فأما
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ١٠٦
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ١٠٧
(٣) سورة : المائدة ، الآية : ١٠٨
(٤) سورة : النور ، الآية : ٦