تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) .. فذهب قوم إلى أن هذه الآية في الربا وأنه إذا كان لرجل على رجل دين ولم يكن عنده ما يقتضيه إياه حبس أبدا فيه حتى يوفيه واحتجوا بقول الله تعالى ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٢) .. وهذا قول شريح وإبراهيم النخعي كما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين في قوله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) قال خاصم رجل إلى شريح في دين له فقال آخر يعذر صاحبه أنه معسر وقد قال الله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) فقال شريح كان هذا في الربا وإنما كان في الأنصار فإن الله قال ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (٢) ولا يأمر الله بشيء ثم نخالفه احبسوه الى جنب السارية حتى يوفيه .. وقال جماعة من أهل العلم فنظرة الى ميسرة عامة في جميع الناس وكان من أعسر أنظر .. فهذا قول أبي هريرة والحسن وجماعة من الفقهاء .. وعارض في هذه الأقوال بعض الفقهاء بأشياء من النظر والنحو واحتج بأنه وان كان لا يجوز أن يكون هذا في الربا قال لأن الربا قد أبطل فكيف يقال فيه ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (١) واحتج من النحو بأنه لو كان في الربا لكان وإن كان ذا عسرة لأنه قد تقدم ذكره فلما كان في الشواذ وإن كان ذو عسرة علم أنه منقطع من الأول عام لكل من كان ذا عسرة وكان بمعنى وقع وحدث كما .. قال :
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي |
|
إذا كان يوم ذو كواكب أشهب |
.. [ قال أبو جعفر ] هذا الاحتجاج ظاهره حسن فإذا فتشت عنه لم يلزم وذلك أن قوله الربا قد أبطله الله تعالى فالأمر في قوله قد أبطله الله صحيح ان كان يريد أن لا نعمل به وإلا فقد قال ( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) فما الذي يمنع أن يكون الإعسار في مثل هذا وأما احتجاجه بالنحو فلا يلزم قد يجوز أن يكون التقدير وإن كان منهم ذو عسرة .. وقد حكى النحويون والمرء مقتول بما قتل به إن خنجر فخنجر وإن كان يجوز فيه غير هذا .. وأحسن ما قيل في الآية قول عطاء والضحاك قالا في الربا والدين كله فهذا كله يجمع الأقوال لأنه يجوز أن تكون ناسخة عامة نزلت في الربا ثم صار حكم غيره كحكمه لا سيما وقد روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت في الربا وهذا توقيف من ابن عباس
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ٢٨٠
(٢) سورة : النساء ، الآية : ٥٨