الرواية وإنْ كان ظاهرها الكراهة إلّا إنّ الظاهر أنّ منشأها عدم العلم بأخذه مِن مستحل الميتة ؛ لأنّ مَنْ أهل العراق من لا يستحلّها ، فيقتضي أنّه لو علم أخذه ممَّنْ يستحلّها لم يجز الصلاة فيه ، وليس إلّا لعدم إحراز التذكية ، إلّا إنّ الأظهر هو العمل بتلك الإطلاقات لاحتمال كون منشأ الكراهة أخذه من المستحل ؛ لكونه محلّاً للتهمة ، إذ هو الظاهر من قوله : « إنَّ (١) أهل العراق يستحلون الميتة » لا أنّ كونه في يد المستحل أمارة على عدم التذكية ، فإذا حصل الاحتمال لم تصلح لمقابلة تلك الإطلاقات.
ثمّ إنّ الشراء من سوق المسلمين ليس بنفسه أمارة على التذكية كيد المسلم ، بل لأنّه أمارة على جريان يد المسلم عليه إذا اشتراه من مجهول الحال ، فاعتباره ؛ لكونه أمارة على الأمارة التي هي كونه في يد المسلم ، كاعتبار محراب المسلمين في تشخيص القبلة ، لكونه أمارة على ما هو أمارة على القبلة كمحاذاة الجَدْي مثلاً ، فلا عبرة حينئذ بما لو شراه من سوق المسلمين من الكافر ؛ لعدم تحقّق ما هو أمارة على التذكية ، لا لأنّ كونه في يد الكافر أمارة على عدم التذكية.
فظهر فساد ما يتوهّم من أنّه إذا كان جلد واحد بعضه في يد المسلم وبعضه في يد الكافر ، لم يحكم عليه بحكم المذكى ؛ لحصول التعارض بين أمارتي التذكية وعدمها ، وهما يد المسلم والكافر ، ولا مرجّح ؛ لأنّ الشارع لم يجعل يد الكافر أمارة كاشفة عن عدم التذكية ، كما جعل يد المسلم كاشفة عنها ، فكونه في يد الكافر بمنزلة الأصل ، كما أنّ كونه في يد المسلم بمنزلة الدليل ، والأصل لا يعارض دليلاً ؛ لارتفاع موضوعه بوجوده ، والحكم بملكيتهما للجلد لا يضر هنا ؛ لعدم المنافاة بين كون يد الكافر أمارة على الملكية وعدم كونها أمارة على النجاسة ، فيحكم بالتنصيف حينئذ ؛ لأنّ كونه في يد كلٍّ منهما أمارة على ملكهما له ، وحيث لم يمكن الجمع بين ملكيّتهما على الاستقلال لزم الجمع بالتنصيف.
__________________
(١) في المخطوط : « لأنّ ».