قهراً ولو بالسكوت الطويل ؛ لئلّا يستند الإبطال إليه ، وله نظائر :
منها : أنّه لو نذر الصدقة بشاة معيّنة إذا جاء مسافرة أو برئ مريضه غداً ، فإنّه لا يجوز له ذبح الشاة قبل الغد ؛ لاحتمال عدم المجي والبرء ، وإلّا كان الحنث والإبطال مستنداً إليه على تقدير تحقّق الشرط.
ومنها : أنّه لو باع شيئاً للمشتري الفضولي ، فإنّه لا يجوز له بيع العين ثانياً على غيره ؛ لاحتمال عدم إجازة مَن له الشراء ، وإلّا كان التفويت مستنداً إلى البائع لو أجاز المشتري له.
ومنها : أنّه لو علم المكلّف أنّه يسافر غداً قبل الزوال ، فإنّه يجب نيّة الصوم وتبييتها على القول به إذا كان مكلّفاً بصوم معيّن وإنْ علم أنّه سيبطل صومه بالسفر ، إلّا إنّه لا يجوز استناد الإبطال إليه. وكذا فيمن علمت أنّها تحيض في اليوم الذي يجب صومه عيناً بالنسبة إلى وجوب نيّة الصوم وإنْ علمت بطلانه بعروض الحيض.
وقد يقال بالثالث ، ووجهه : أنّ العقلاء يعذرون المتروّي بعد الشكّ ، بمقدار ما يعتبر منه في الشكوك الصحيحة ، ولا يسندون الإبطال إليه. ولعلّه أقوى الوجوه.
إلّا إنّ هذه الوجوه إنّما هي فيما إذا لم يعلم بأنّه لو تروّى يزول عنه الشكّ ولم يرجُ ذلك رجاءً معتدّاً به ، وإلّا فلا إشكال في حرمة الإبطال مطلقاً. ثم إنّ منشأ التروّي قد يقال : إنّ المأخوذ في الأدلّة موضوعاً لهذه الأحكام ، هو الشكّ الذي هو تساوي الطرفين ، ولا يحصل إلّا مع بقائه بعد التروّي ، وهو ليس قبل ذلك إلّا خطوراً بَدْويّاً لا أثر له ، ولا يجري عليه حكم الشكّ.
وفيه : أنّ مقتضاه جواز المضيِّ قبل التروّي وإنْ قيل بعدم جواز المضيّ فيها مع الشكّ ؛ لأنّ الشكّ لم يحصل قبل التروّي ليمنع من المضيّ.
والظاهر أنّ منشأ القول بالتروِّي ، ما ورد من الأمر بالتحرّي عند عروض الشكّ في الصلاة. ثم إنّ المضيَّ في الصلاة مع الشكّ هل يوجب بطلانها مطلقاً ، أم لا؟ والحقّ