لم يتجاوز محلّه وإنْ حصل الظن به ، لزم العسر والحرج لا سيّما على مذهب القدماء القائلين بأن التجاوز لا يحصل إلّا بالدخول في عنوان آخر ، فإنّه قد تشتمل الصلاة حينئذٍ على كثير من التكرار ، كما إذا شكّ في الفاتحة وهو في وسطها ، فإنه يجب الإتيان بالأوّل وتكرار ما بعده ممّا [ قبل (١) ] الوسط محافظة على الترتيب ، ثمّ شكّ ثانياً في الوسط وهو في الآخر ، فإنّه يجب الإتيان بالوسط وتكرار ما بعده محافظة على ذلك ، ثمّ شكّ أيضاً في بعض الفاتحة وهو في السورة ، ولا يخفى ما فيه من العسر.
فإذا فصل بين الشكّ والظنّ وجعل المظنون كالمعلوم وخصّ العمل بحكم الشكّ بحالة تساوي الطرفين ارتفع ذلك ؛ لأنّه وإنْ كثر عروض الشكّ إلّا إنّ الغالب عدم بقائه بحاله وتبدّله بالظنّ لوجود الداعي إلى الفعل ، فهو غالباً يظنّ الإتيان بما شكّ فيه فتقلّ موارد الشكّ الخالية عن الترجيح ، فلا يلزم العسر من العمل بحكمها. وقد يقال بأنّ عدم الفصل بين الشك والظن كما يحصل بالعمل بحكم الشك في المقامين كذلك يحصل بعدمه ، والبناء على الوقوع فيهما ككثير الشك فينتفي العسر به.
وفيه : أنّ العمل به مخالف للإجماع وموجب لطرح أدلّة الشك فلا يبقى لها موردٌ ، وهو باطل عندهم. ولذا لم ينبه عليه الشهيد رحمهالله في بيان هذا الوجه ، واكتفى بلزوم العسر على فرض التسوية بينهما في العمل بحكم الشكّ اعتماداً على أنّ التسوية بعدم العمل بحكمه ممّا لا يحتمله أحد.
وما قيل من أنّ أغلبيّة وقوع الشكّ في أجزاء الصلاة إنْ أُريد به وصول الغلبة إلى حدّ كثرة الشكّ ومرتبته بحيث صار ككثير الشكّ ، فقد جرى عليه حكم كثير الشكّ من عدم الاعتناء بشكّه والبناء على وقوع المشكوك ، وإنْ أُريد كثرة وقوع الشكّ في الصلاة في نفسه وإنْ لم يصل إلى حدّ كثير الشكّ ، فلا يلزم حينئذٍ من إجراء حكم الشكّ عسرٌ ولا حرج.
__________________
(١) في المخطوط : ( بعد ).