البعيد (١) ، ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (٢).
وأمّا ثانياً ؛ فلعدم المنافاة بين الأمرين ؛ إذ المرادُ من وضعهم المقرون بـ ( الكاف ) وحدها وهي مع ( اللّام ) للبعيد انحصارُ البعيد في المقرون بهما ، ولا ينعكس ، ولا يخفى البَوْنُ بين الأمرين على ذي قلبٍ بريء من الرين.
فإنْ قيل : إنّ كلام الإمام عليهالسلام الذي هو إمام الكلام لا يحمل إلّا على الوجه الصحيح المتكاثر دون الشاذّ النادر.
قلتُ : هذا كسابقه في عدم الورود ، كما لا يخفى على مَنْ كان له لموارد الصناعة صدورٌ وورود :
أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ الشاذّ يقال على ثلاثة أقسام : مخالفٌ للقياس والاستعمال ، ومخالف الأوّل ، ومخالف الثاني ، فالمردود هو الأوّل دون الأخيرين ، وما نحن فيه من قبيل الثاني بغير شكّ ولا ميَن.
وأمّا ثانياً ؛ فلتبدّل اللغات وتبدّدها وانتشارها وتعدّدها بتبدّل أمكنتها وأزمنتها ، فلربّما اشتهر اللفظ في لغة قوم وانعكس الأمر عند آخرين وسمّوه شاذّاً نادراً ، وليس إلّا لقلّة استعماله في زمانهم وندوره في مكانهم ، وبهذا التحقيق يتّضح الأمر ويتّسع المضيق في ما وقع في القرآن وكلام الأئمّة الأعيان من اللّغة المسمّاة بالشاذّة وليست شاذّة كـ ( كُبّاراً ) (٣) ، و ( إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ) (٤) ، والألفاظ المسمّاة بالمعرّبة أيضاً ك : مشكاة ، و: قسطاس ، كما لا يخفى على مَنْ جاس خلال الديار وحاسَ.
والوجه في هذا : أنَّ كلامه تعالى وكلامهم عليهمالسلام محيط بجميع اللغات على تعدّد جميع القرون والأوقات ، فإذا أتى قرن لا يعرف لغة ما قبله وكانت قليلة الاستعمال قِبَلَهُ عدّها في الشاذّ النادر ، كما يحكم به المتتبّع الماهر ، فظهر لدى الرجاحة أنّ مخالف الغالب لا يخرج عن الفصاحة ، والله العالم العاصم.
ثمّ قال شدّ الله عنه نطاق الأفضال ـ : ( بل يستفاد الإسرار بأذكار الركوع والسجود والتشهّد والتسليم والتكبير لا سيّما إذا قلنا : إنّها مطلقة غير خاصّة بقراءة الأُوليين ، وإخفاء ما
__________________
(١) مختصر المعاني ( التفتازاني ) : ٥٣.
(٢) ق : ٣٧.
(٣) نوح : ٢٢.
(٤) طه : ٦٣.