المحقّقين (١) صرّح بأنّ الاحتياط في الجهر بها لدوران الأمر بين الوجوب والاستحباب ؛ لضعف دليل التحريم عنده ، بل لعدم الاعتداد به.
وثانياً : أنّه يلزم منه المصير إلى الاحتياط في وفاق الفتوى دون الأخبار ولو كانت صريحة في المطلوب معتمدة الطريق ؛ لأنّ الحقّ في الفتوى ، ولا يلتزمه ذو تقوى ، إذ الفتوى لا يجب الرجوع إليها من حيث هي ، فإنّ المفتي من حيث هو غير مأمون الخطأ ، إلّا أنْ تنضمّ إليها قرينة أُخرى كالعلم بدخول فتوى المعصوم في جملتها فيعلم كونها حقّا لانضمام فتوى المعصوم لا من حيث نفسها ، فإذا خلت عنه فلا وجه للاحتياط في وفاقها مع قيام الدليل على خلافها.
وثالثاً : أنّ مورد أخبار الاحتياط أنّما هو أمران :
الأوّل : تيقّن اشتغال الذمّة بشيء ، وتوقّف يقين البراءة على الأخذ به ، كما في صحيحي عبد الرحمن بن الحجاج ، وعبد الله بن وضّاح.
فالأُولى : في رجلين أصابا صيداً وهما محرمان ، الجزاء عليهما ، أم على كلّ واحد منهما؟ قال : « بل عليهما أن يجزي كلّ واحد منهما عن الصيد » قلتُ : إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدرِ ما عليه؟ فقال : « إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا ، فعليكم بالاحتياط » (٢).
والثانية : كتبتُ إلى العبد الصالح : يتوارى القرص ويُقبل الليل ، ثم يزيد الظلام ارتفاعاً ، وتستتر عنّا الشمس ، وترتفع فوق الجبل حمرة ، ويُؤذّن المؤذّنون ، فأُصلّي حينئذٍ وأفطر إنْ كنتُ صائماً ، أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب عليهالسلام : « إنّي أرى لك أنْ تنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل ، وتأخذ الحائطة لدينك » (٣).
وأنت خبير بأنّ مورد الأُولى أنّما هو اشتراك جماعة في قتل صيدٍ حَرَمي ، فذمّة كلّ منهما مشغولة بالكفّارة ، لكنّهما لم يعلما أنّها كفّارة واحدة عنهما ، أو عن كلّ منهما كفّارة.
__________________
(١) رياض المسائل ٢ : ٣٠٧ ٣٠٨.
(٢) الكافي ٤ : ٣٩١ / ١ ، بتفاوتٍ يسيرٍ.
(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٩ / ١٠٣١ ، بتفاوتٍ يسيرٍ.