ضرر الغراس تحت الأرض أكثر لانتشار عروقه في الأرض ، وضرره فوق الأرض أقل من البناء ، لأنه يمكن الزرع تحته ، والبناء بالعكس ، لأنه لا يمكن الزرع تحته فيكون ضرره فوق الأرض أكثر وليس له عروق تمتد تحت الأرض ، فيكون ضرره تحت أقل.
ولو أذن في الزرع وأطلق ، زرع ما شاء وليس له الغرس ، وإذا انتهى الزرع لم يكن له ان يزرع غيره إلا بإذن جديد ، قال في التذكرة : وفيه نظر ، لأن للمستعير الانتفاع بالعارية المطلقة ما لم ينهه المالك.
قال رحمهالله : ولو أذن له بالبناء والغرس ، ثمَّ أمره بالإزالة ، وجبت الإجابة ، وكذا في الزرع ، ولو قبل إدراكه على الأشبه ، وعلى الآذن الأرش.
أقول : فرق الشيخ وابن إدريس بين الزرع وبين البناء والغرس ، وجوز الرجوع في إذن البناء والغرس بعد الفعل ، لأنهما للتأبيد ، فلا يجب على المعير الصبر في ذلك ، ولم يجوز الرجوع في إذن الزرع بعده قبل انتهائه ، لأن له وقتا ينتهي اليه ، فلا يجوز الرجوع قبله ، لما في ذلك من الضرر على المستعير.
والمصنف اختار عدم الفرق ، وهو مذهب العلامة وابنه ، لأن العارية ليست لازمة ، فللمعير الرجوع متى شاء والضرورة تزول ببذل الأرش ، وهو التفاوت بين قيمته قائما وبين قيمته مقلوعا.
والتحقيق : انه لا يخلو اما ان يكون الرجوع في الاذن قبل الفعل أو بعده ، فان كان قبل الفعل ، ثمَّ زرع أو غرس أو بنى بعد ذلك ، كان حكمه حكم الغاصب إذا كان عالما بالرجوع ، ولو لم يعلم بالرجوع فبنى أو غرس أو زرع بعده ، فهل للمالك الإزالة من غير أرش؟ يبنى على ان المأذون في أمر ، هل يبطل تصرفه مع رجوع الإذن وان لم يعلم المأذون له بالرجوع؟ يأتي ذلك إنشاء الله تعالى في باب الوكالة (١).
__________________
(١) يأتي ص ٣٣٩.