قال في الإرشاد : وصرف المال في وجوه (٥) الخير ليس بتبذير مع بلوغه في الخير ، والظاهر ان الضمير في ( بلوغه ) عائد إلى الصارف ، اي مع بلوغ ذلك الصارف في الخير المبلغ الذي يصير أهلا أن يصرف جميع أمواله في الخير ، بأن يكون مبالغا في صنوف اعمال الخير من العلم والزهد والتقوى والمواظبة على جميع الطاعات والقيام بالواجبات والمندوبات ، فمن كان على هذه الصفة لا يكون صرفه جميع أمواله في الخير تبذيرا ، لأن همه اشتغاله في أمر آخرته ، وقد اعرض عن هذه الدنيا وكان رغبته فيما عند الله ، فأوجبت هذه الهمة وهذه الرغبة صرف جميع أمواله الى ما هو مطلوبه ومقصوده فلا يكون مبذرا.
أما لو كان تاجرا همه جمع الأموال في الكدح بالبيع والشراء والأسفار وغير ذلك من أصناف التكسبات ، فهذا إذا صرف أمواله في أفعال الخير كان مبذرا ، كما لو ألقاه في البحر ، لأنه صرفه بما ليس همته ولا مقصوده ، ولا هو أهل لذلك ، لأن عادته وهمته ومقصوده في جمع الأموال ، فاذا صرفه جميعه بما ليس بمقصود له ولا ملائم لطبعه ، كان سفيها مبذرا ، وكان ذلك اما لاختلال في عقله أو للرياء والسمعة ، فلا يكون لغرض صحيح ، وكل صرف لا يكون لغرض صحيح فهو تبذير ، ولا أرى لتأويل عبارة الإرشاد بغير هذا الوجه وجها.
ويحتمل ان يكون صرف التاجر وشبهه لجميع ما له في أفعال الخير لا يكون تبذيرا ، لأن المقصود من المال الانتفاع به ، ولا انتفاع أبلغ من صرفه في هذا الباب ، وهو ظاهر القواعد ، فإنه قال فيه : وصرف المال الى الخيرات ليس بتبذير ، وأطلق ، والأول هو المعتمد لما بيناه.
ويحتمل ان صرف الأول ـ وهو المبالغ في أفعال الخير ـ جميع ما له في الخير تبذير ، لقوله تعالى : ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ
__________________
(٥) من « ر ٢ » ، وفي بعض النسخ : ( صنوف ).