التخلّف بالسبق أو التأخّر زائدا عمّا يغتفر عرفا حكما تعبّديا (١) ، وهو الحقّ.
وذلك : لما تقدّم في أوّل الباب من أنّ الأصل في المسألة هو النبويّ (٢) ، وهو لا يدلّ على أزيد من ذلك ، ولا يستفاد منه الشرطيّة أصلا ، لأنّه وإن بنينا في محلّه من أنّ الأوامر والنواهي الواردة في الماهيّات المركّبة منقلبة عمّا هو الأصل فيها من الدلالة على الحكم النفسي ، بل ظاهرها الشرطيّة والمانعيّة فيها. إلّا أنّ ذلك إنّما يكون فيما إذا كان الحكم والأمر والنهي متعلّقا ابتداءً بشيء في مركّب عباديّ أم معاملي ، والمقام ليس كذلك ، بل الأمر الأوّلي هو نفس الائتمام ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فإذا ركع فاركعوا» (٣) .. إلى آخره ؛ من توابع الأمر الأوّل ، ولا يستفاد منه إلّا لزوم هذا الأمر ، أي المتابعة في الجملة ، وعدم التخلّف عن الإمام بالسبق أو التأخّر الفاحش ، فهذا نظير توابع التبعيّة ، حيث إنّه إذا تحقّقت المتابعة فنفسها تقتضي العمل بآثارها ، ومع ذلك فإذا ورد أمر أو نهي عليها لا تكون هي تكاليف نفسيّة ، بل من قبيل الإرشاد إلى ما تقتضيها نفس المتابعة ، فلا يترتّب عليها ما يترتّب على الأوامر والنواهي النفسيّة أي المنشأة ابتداءً ، فتأمّل!
فالحاصل : لا دليل على اشتراط المتابعة أصلا ، بل قد سمعت أنّ الدليل على خلافه ، وغاية ما دلّ عليه الدليل ـ وهو النبوي ـ كون لزوم المتابعة واجبا نفسيّا وحكما تعبديّا ، فحينئذ التخلّف عن الإمام بأيّ مقدار يكون لا يضرّ بالصلاة أو الجماعة بوجه ، كما عليه أساطين الفقهاء أيضا.
__________________
(١) المبسوط : ١ / ١٥٩.
(٢) تقدّم في الصفحة : ١٧٧ من هذا الكتاب.
(٣) سنن ابن ماجه : ١ / ٢٧٦ الحديث ٨٤٦.