حيث إنّها إمّا من جهة حطّ الذنب السابق بها ، وإمّا من جهة الرجوع بها إلى الطاعة ، حيث إنّ بالمعصية خرج عنها ، وكلاهما من سنخ الإطاعة ولا يترتّب لا على الأوّل ولا على الثاني عقاب على تركه سوى ما يترتّب على الذنب الصادر أوّلا.
وأمّا الاحتمال الثالث بأن تكون التوبة بنفسها مطلوبة حتّى يجب تعبّدا ، فلا دليل عليه.
وبالجملة ؛ فتصير التوبة من المستقلّات العقليّة ، لا من قبيل الصدق الّذي قابل لأن يتعلّق به التكليف المولوي ، فعلى هذا ترك التوبة عن الصغائر ـ لو سلّمنا أنّه يلزم ذلك ـ مع أنّ فيه ما سيجيء من أنّه لا عقوبة على الصغائر يشكل كونه معصية حتّى يصدق الإصرار به الّذي هو المدّعى ، إلّا أن يقال : إنّ صدق الإصرار به لا يتوقّف على كون الترك بنفسه معصية ، بل يكفي لصدقه إمّا استكشافه عن بناء التارك على الاستمرار على المعصية الّتي أتى بها ، وإمّا لتركه ما يستحسنه العقل ويلزم من الرجوع إلى المولى بالتوبة بعد الانقطاع عنه ، فتأمّل!
هذا ؛ مضافا إلى أنّه جملة من الأخبار نطقت بلزوم التوبة من الصغيرة وأنّ تركها إصرار (١) ، حيث إنّ بعضها وإن كان ظاهرها الاختصاص بالكبيرة ، ولكن بعضها مطلقة دالّة على أنّ ترك التوبة إصرار على المعصية ، كما أنّ فعلها ترك الإصرار ، فحينئذ يتحقّق الوجوب الشرعي للتوبة عن الصغائر.
ولكن الإشكال أوّلا : في استلزام الصغائر العقاب حتّى يلزم التوبة ، مع أنّه
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٣٧ الباب ٤٨ من أبواب جهاد النفس.