يده عن الزائد عمّا له الحقّ أن يتصرّف فيه كغيره من الموقوف عليهم.
وأمّا الفرق بينها وبين منافع الحرّ ؛ فلما عرفت من أنّ العقلاء لا يعتبرون لمنافعها الماليّة ، ولا العلقة الحاصلة بينه وبين منافعه العلقة الملكيّة والمالكيّة ، كما أنّ الشارع ما اعتبر لمنافعه إلّا حكما تكليفيّا محضا ، بمعنى أنّ سلطنة الحرّ على نفسه ومنافعه (١) ليست إلّا قدرة محضة بلا اعتبار حكم وضعي له ولمنافعه.
وممّا ذكرنا ظهر لك أنّه يكفي في حرمة التصرّفات الزائدة على مصرف الوقف أو المعتبرة له ، ما دلّ على أنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ، فلو لم يكن لنا دليل الغصب ، أو لم يصدق العنوان على المقام ، ما يكون من قبيل هذه الأدلّة كافية لإثبات عدم جواز التعدّي في الأوقاف العامّة ومنع اليد العادية عنه ، كيف وقد أوضحنا صدق عنوان القضيّة عليها ، وعدم توقّف ذلك على أن يكون الوقف تمليكا كما زعمه بعض (٢) ، بل ولو قلنا بكون الأوقاف العامّة تحريرا وإيقافا يصدق عنوان الغصبيّة أيضا ؛ لصيرورتها بذلك ـ أي بالتحرير ـ متعلّقا لحقّ الناس ، ولو لم يكن ملكا لهم ، كما أنّ ظاهر معاقد الإجماعات قد عبّر فيها عن الحقّ ، أي : للناس حقّ الصلاة في المساجد أو حقّ السكنى في الخانات.
فلا يتوهّم أنّ إضافتهم بها يكون كإضافتهم بالمباحات قبل تصرّفهم فيها ، حتّى يكون حكما محضا بلا ثبوت حقّ ليس الأمر كذلك ، بل يعتبرون للناس في الأوقاف العامّة الحقوق ونحو اختصاص وإضافة ماليّة بحيث لو منعهم أحد عنها
__________________
(١) وإن كان ظاهرهم اعتبار الماليّة لمنافعه بعد صيرورتها مصبّا للمعاملة والإجارة ، حتّى جوّز بعض جعلها بدلا وعوضا في البيع ، وبالجملة ؛ اعتبر فيها جميع اعتبارات الماليّة ، فراجع أوّل البيع! «منه رحمهالله».
(٢) المكاسب : ٤ / ٥٤.