الفقه السني قد اعترف بحوالة الحق ، ولم يعترف بحوالة الدين. وهذا أمر منسجم مع تطور الفقه من دون مشكلة. إلاّ ان الدكتور السنهوري استبعد هذا الارجاع وذكر لذلك شواهد من الفقه السني.
أقول : وبهذا البحث الذي ذكره الدكتور السنهوري يكون قد فرّغ الفقه السنِّي من الاعتراف بحوالة الحق وحوالة الدين معا.
نقول : إن السيد الشهيد الصدر رحمهالله ذكر الشواهد التي ذكرها السنهوري ، وردَّها ، واثبت أنها حيادية اتجاه مسألتنا (١) ، إلاّ ان الرد الحاسم لما ذهب إليه السنهوري ذكره السيد الشهيد الصدر أيضا فقال : « إن السنهوري خلط بين تصورات الفقه الغربي وتصورات الفقه الاسلامي ، فلئن واجه الفقه الغربي مشكلة من هذا القبيل على اساس أنه يرى الدَّين عبارة عن الالتزام ، وهو خيط بين الدائن والمدين ، لا مالاً موجوداً في ذمّة المدين ، وعندئذ يصعب عليه تصور تبديل احد طرفي الالتزام ، لأنَّ الالتزام متقوم بطرفيه ، فالفقه الاسلامي من أساسه لا يواجه مشكلة كهذه ، لانه يرى ان الدَّين مال موجود في ذمَّة المدين يتصور النقل والانتقال على حدّ تصورهما في المال الخارجي ، فحوالة الدَّين : عبارة عن نقل المال من مكان الى مكان ( اي من ذمّة الى ذمّة ) وحوالة الحق : عبارة عن تبديل مالك هذا المال الموجود في الذّمة. وهذان أمران لا يرتبط احدهما بالآخر ، ويجوز للفقه أن يتصور احدهما من دون الآخر ، سواء كان ما تصوره عبارة عن حوالة الحق دون حوالة الدَّين او بالعكس. اما عدم اعتراف الاسلام بانتقال الدَّين في باب الموت الى الورثة مع اعترافه بانتقال الحق اليهم ، فليس بسبب ما يقوله السنهوري من أن تصور انتقال الدين أصعب من تصور انتقال الحق ، وانما هو بسبب ما قاله استاذنا الشهيد الصدر رحمهالله وهو أن الاسلام يرى ان الدَّين عبارة عن مال موجود في الذّمة ، وليس عبارة عن الالتزام كما جاء في الفقه الغربي ويرى أن
__________________
(١) المصدر السابق نفسه.