المتبرع يتمكن ان يفرّغ الذمّة المشغولة ، كما ان الابراء ـ ايضا ـ كذلك ، وكذا الضمان. ثم اننا لا ندري ما هو الدليل على أن صاحب الذمّة المشغولة ان لم يترك مالا عند موته تسقط ديونه ؟!! نعم ، الميت غير مكلف باداء الدَّين بعد موته ، لانه خرج عن كونه مكلفا ، اما أن ذمته مشغولة فهو شيء آخر غير العهدة ، وهذا لا يزول ولا يسقط بالموت.
اذن ، الصحيح ما قلناه ـ سابقا ـ من ان الذمّة تبقى بعد الموت صحيحة الى أن توفى الديون او يبرأ من قبل الدائنين او يتبرع عنه متبرع ، او يضمن من قبل شخص حي ويقبل الدائن. والدليل على ذلك بالاضافة الى ما تقدم ـ من ان الذمّة وعاء اعتباري يعتبره العقلاء ، والاعتبار سهل المؤونة ، فيكون بعد الموت ايضا ـ ما ورد في الحديث النبوي الشريف : « إن ذمّة الميت مرتهنة بدَينه حتى يقض عنه » (١).
نعم ، بالموت يخرج الانسان عن صلاحية المطالبة في الدنيا ، كما لا يجب عليه الاداء لعدم تكليفه ، لكن هذا لا يوجب عدم بقاء الذمة وصلاحيتها لان تشتغل بالدَّين وقد وردت صحة أن تشغل ذمّة الميت بدين جديد متفرع عن سبب سابق ، كما لو باع شخص شيئا وتوفى وردّ بعد الموت بعيب فيه ، فان ذمّة البائع تشتغل بثمنه الواجب الرد ، وكذا لو باشر في حياته سببا من اسباب الضمان كمن حفر حفرة في الطريق العام ثم مات فتردّى حيوان في الحفرة بعد موته ، فان ذمة الحافر تشتغل بضمان قيمة الحيوان فتؤخذ من تركته.
والى هذا الرأي ذهب الشافعية (٢) ، وهورأي المالكية وفريق من الحنابلة ايضا (٣).
ومما تقدم ـ ايضا ـ يبطل القول الحنفي القائل : إن الذمّة تضعف بالموت ولكن لا تنهدم ، اي يبقى للذمة ما تقتضيه الضرورة ، وهذا الضعف يبدأ من مرض الموت ،
__________________
(١) الحديث اخذ عن كتاب الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد ، ج ٣ ، ص ٢٢٨. والظاهر انه لم يرد في كتب الشيعة مثل هذا النص ، الا انه موافق لنصوص كثيرة تؤيد هذا المعنى.
(٢) حاشية الرملي على اسناد المطالب ، ج ١ ، ص ٢٣٥ عن الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد ، ج ٣ ، ص ٢٢٩.
(٣) الفقه الاسلامي في ثوبه الحديد ، ج ٣ ، ص ٢٢٩.