الشيء اصلاً ، فقد خلطوا بينه وبين الغرر ، واعتبروا أن التعامل في شيء منعدم وقت التعاقد ينطوي في ذاته على غرر يفسد العقد ، ولم يميزوا بين مصير الشيء المعدوم في المستقبل ، هل هو محقق الوجود فتزول الخشية من الغرر وكان ينبغي أن يصح العقد أو هو محتمل الوجود ، وعند ذلك يدخل عنصر الغرر بقدر متفاوت فيعالج القدر الذي يقتضيه.
على ان تعامل الناس والحاجة أوجدا ثغرتين في هذا المبدأ الذي جمد عليه الفقهاء ، فأجاز الفقه الاسلامي بيع المعدوم في السلم والاستصناع فنتكلم أولا عن المبدأ ثم نستعرض الاستثنائين. ثم استند السنهوري في رأيه هذا على أقوال بعض الفقهاء كقول صاحب البدائع في عدم جواز بيع المعدوم ، ونقل عن فتح القدير ( ج ٥ / ١٠٢ ) : « لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر » وعن الفتاوى الهندية ( ج ٣ / ١٠٦ ) : « بيع الثمار قبل الظهور لا يصح اتفاقاً ». وعن بداية المجتهد ( ج ٢ / ١٢٤ ) : « أما القسم الاول وهو بيع الثمار قبل ان تُخلَق فجميع العلماء مطبقون على منع ذلك ، لانه من باب النهي عن بيع مالم يُخلَق او من باب بيع السنين والمعاومة وهي بيع الشجر أعواماً ، إلا ما روي عن عمر بن الخطاب وابن الزبير أنهما كانا يجيزان بيع الثمار سنين » (١).
اقول : يرد على ما ذكره السنهوري عدة امور :
١ ـ إن ما ننسبه الى الفقه الاسلامي يجب أن يكون مستخرَجاً من الادلة الشرعية التي هي مصدر الفتاوى عند علماء الاسلام ، فنسبة مشروعية السلم الى الاستثناء ( من عدم جواز بيع المعدوم ) دعت اليها الضرورة كما صرح بذلك ، استناداً الى أقوال بعض الفقهاء غير صحيح.
٢ ـ إن قاعدة « عدم جواز بيع المعدوم » ليس لها أصل في الشريعة المقدسة
__________________
(١) مصادر الحق في الفقه الاسلامي ، ج ٣ ، ص ٣١ ـ ٣٢.