.................................................................................................
______________________________________________________
نفسه وإن كان على خلاف القاعدة ، بلا فرق في ذلك بين باب الدين وغيره من العبادات والتوصّليات ، فانّ الإسناد إلى الغير بمجرّده لا يصيّر العمل عملاً للغير ، بحيث يترتّب عليه تفريغ ذمّته عنه ، إلّا أنّه لا مانع من الالتزام به إذا ساعد عليه الدليل.
ودعوى كون الحكم في باب الدين على طبق القاعدة ، فإنّ المال الذي يدفعه المتبرّع كدينار مثلاً مصداق حقيقي لما اشتغلت به ذمّة المدين ، فيقع هذا العمل مصداقاً للوفاء بالدين قهراً من دون توقّف في ذلك على قيام دليل شرعي عليه. مدفوعة بأنّ الدينار في مفروض المثال إنّما يكون مصداقاً حقيقة لكلّي الدينار ، لا الكلّي المضاف إلى ذمّة المدين الذي هو متعلّق الدين.
وقد ذكرنا في بحث المكاسب (١) أنّ الكلّي بما هو كلّي لا مالية له ، ولا يكاد يملكه أحد ، وإنّما المالية الاعتبارية من العقلاء ثابتة للكلّي عند إضافته إلى ذمّة من تعتبر ذمّته عندهم ، وبهذا الاعتبار صحّ بيعه وشراؤه ، وصحّ بذل الأموال بإزائه ، ووقع متعلّقا لحقّ الدائن وغير ذلك من آثار الملك. وأما مع الغض عن هذه الإضافة فهو كسراب بقيعة ، لا يكاد يبذل بإزائه شيء من المال بتاتاً.
وعلى الجملة : فالدينار في المثال وإن كان مصداقاً للكلّي بما هو كلّي ويكون انطباقه على المدفوع قهريّاً ، لكن هذا الكلّي ليس ممّا تعلّق به الحقّ كي يتّصف الفعل بكونه وفاء للدين ، وإنّما الذي يستحقّه الدائن هو الكلّي المضاف إلى ذمّة المدين ، وهو الذي اشتغلت ذمّته به بواسطة الدين.
ومن الواضح أنّ الدينار المدفوع لا يكون مصداقاً لهذا الكلّي ولو كان قصد الدافع هو الوفاء بما اشتغلت به ذمّة المدين ، لعدم تأثير القصد المذكور في صيرورة المال المدفوع مصداقاً للكلّي بالعنوان المزبور كما لا يخفى.
وكيف ما كان ، فلا ينبغي الإشكال في كون الحكم بتفريغ الذمّة بذلك على خلاف القاعدة كما ذكرناه ، إلّا أنّه بعد قيام الدليل عليه شرعاً ينبغي رفع اليد
__________________
(١) مصباح الفقاهة ٢ : ١٦.