يجعل من دموعي شربي ، لغمّتك شجرة الغموم بقلبي نبتت ، ولكربتك قواعد الهموم بلبّي ثبتت ، سحقاً لأيّامي إن استمسكت بغير عروتكم يدي ، وبُعداً لمقامي إن جعلت سواكم معتقدي ، وخرساً للهاتي إن فاهت بغير مدحتكم ، وعمىً لطرفي إن نظر جميلاً سوى بهجتكم ، لا قرّت عيني إن نثرت على غير عروس مجدكم فائق نثري. ولا راف معيني إن أطافت بسوى كعبة جودكم رائق شعري.
أنتم وسيلتي إلى خالقي ، وبكم وضحت في الحقّ طرائقي ، وإلى نحوكم منطق شكري صرفته ، وعلى مدحكم بديع نظامي وقفته ، إن رضيتم خدّي موطئاً لأقدامكم ، ووجهي موضعاً لنعالكم ، وأثبتم اسمي في جرائد عبيدكم ، ووفرتم قسمي من عنايتكم وجودكم ، فيا زلفتي من ربّي ، ويا وصولي وقربي ، وإن طردتموني عن أبواب كرمكم ، ومحو تموني من دفاتر خدمتكم ، فيا خسارة صفقتي ويا سوء عاقبتي ، فيا سعادة أنفساً بذلت في طاعتكم أرواحاً وأبداناً ، ويا فرحةً طائفة بلغت في نصرتكم بوجوهها وصدورها حساماً وسناناً.
فلعمري لقد حازوا بجميل صبرهم ثواباً جسيماً ، فياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً ، جلت رياض الجنّة عرائس أزهارها على زهيرهم ، وأعلت على منازل أبرارها درجة حرّهم وبريرهم ، وجعلت حبيبهم حبيب حور عينها ، وصيرت لمنثور لؤلؤها لون جُونها ، ووهب وهبتها من غرفاتها أعلاها ، ويسّرت لمسلمها من قداح لذاتها معلّاها ، كانت دار النعيم أشدّ شوقاً إليهم ، وأشدّ ابتهاجاً بمقدمهم منهم عليها ، وفوا لله سعيهم فوفى لهم بما عاهدهم ، وصدقوا ما عاهدوه عليه فأنالهم الحسنى وزيادة على ما وعدهم.