ولمّا وضع تاج الكرامة على همّته ، واُفرغت خلع العصمة على أعطاف نبّوته ، أثبت الكرام الكاتبون نسخة الميسور في رقّ منشور ، متّصل الثبوت إلى يوم النشور ، يفخر اللوح المحفوظ بتقريره ، ويزهر الكتاب المسطور بمسطوره ، وتشرق السموات السبع بنوره ، ويخضل كلّ أمير لشرف أميره ، اُعيد إلى قراره من البلد الحرام ، بعد أخذ ميثاق ولايته على الخاصّ والعامّ ، الروحانيّون يتألمّون لفراقه ، والكرّوبيّون مكتنفوا براقه ، وجبرائيل آخذ بركابه ، وميكائيل غاشيه دار جنابه ، قد نشرت أعلام الفخر عليه ، وسلّمت مقاليد الجنّة والنار إليه ، وجعل مدار أمر الدنيا والآخرة في قبضة حكمه ، وعلوم الأوّلين والآخرين كالقطرة في بحر علمه.
فما عسى أن أقول في وصف من « لولاك لما خلقت الأفلاك » حلّة نبّوته ، والسفرة الكرام البررة من الأملاك ملازموا حضرته ، وسمّوه بعزل السماك الأعزل سمو عن مقام رفعته ، وعلوّه يتبدّل انباك المجرّة علو بعالي همّته ، به قوام العالم ، وله مقام السلطنة على بنى آدم ، ناقل كلّ مجد رفيع مجده ، ويخضع كلّ شريف لشرف جدّه ، ويفخر الخليل بنبوّته ، وتشمّخ جبريل بنبوّته ، وتفضّل إسماعيل على إسرائيل بوصلته ، ويمنّ اللطيف الخبير على الجمّ الغفير من خلقه ببعثته.
البائع نفسه من خالقه ، الواضع سيفه على عاتقه ، تلوذ الأبطال بجانبه إذا حمي الوطيس ، وتعوذ الرجال بشجاعته إذا التقى الخميس بالخميس ، سل عنه بدراً واُحداً إذا اُنزلت الملائكة المتوّجون له جنداً.
لمّا قام داعياً إلى الله على بصيرة من أمره ، مخلصاً في جهاد أعداء الله في علانيته وسرّه ، قاطعاً في الله الأقربين من اُولى أرحامه ، واصلاً للأبعدين بآلائه